الإفلات من العقاب والعربدة الإسرائيلية في زمن غياب الوعي العربي
د. بركات النمر العبادي
11-09-2025 02:46 PM
لم تعد إسرائيل اليوم بحاجة إلى التجمّل أو مراعاة صورتها أمام المجتمع الدولي؛ فهي تمارس عربدتها العسكرية والسياسية علنًا، مطمئنة إلى أن يد العدالة الأممية مشلولة، وأن أي مساءلة لن تتجاوز حدود الخطابات والبيانات الإنشائية و لقد تحوّلت إلى دولة فوق القانون، تفعل ما تشاء متى تشاء، لأنها ببساطة تضمن الإفلات من العقاب وان انتهاك سيادة دولة حليفة وصديقة للغرب و بخاصة اميركا، وقصف لمقرات وفد حماس المفاوض الذي جاء ملبيا للمبادرة الامريكية، لهو دليل على ذلك.
الولايات المتحدة والدول الغربية الرأسمالية المتوحشة لم تكتفِ بغض الطرف، بل صارت شريكًا في صناعة هذا الانفلات ، عبر دعم عسكري وسياسي غير محدود، وعبر تعطيل كل قرارات يمكن أن تردع إسرائيل ان النفوذ الإسرائيلي داخل مراكز القرار الغربي جعل المؤسسات الدولية مجرد أدوات شكلية لاقيمة لها ، وحتى انها اصبحت عاجزة عن حماية الضعفاء أو فرض الحد الأدنى من العدالة.
في ظل هذا الواقع، لم يعد النظام الدولي سوى غابة تحكمها القوة والمصالح ، فوجود كيان مثل إسرائيل يشرعن شريعة الغاب ، ويدمّر أي أمل في عدالة أممية وما يحدث في غزة مثال صارخ : جرائم إبادة جماعية تُرتكب على الهواء مباشرة ، بينما المجتمع الدولي يكتفي ببيانات قلق باهتة.
لكن الأخطر من الدعم الغربي هو غياب الوعي العربي والموقف الجاد لقد ساهم الانقسام والتطبيع والتشتت في إعطاء إسرائيل ضوءًا أخضر لممارسة كل ما تفعله ، ولو كان هناك موقف عربي موحّد ، لعرفت إسرائيل أن للدم الفلسطيني ثمنًا ، وأن للعرب وزنًا يحسب له حساب.
ولعله بات واضحا انه من الملح عالميا وعربيا التأكيد على :
إعادة الاعتبار لمؤسسات الردع الدولية وفضح ازدواجية معاييرها.
تحرّك عربي موحد يضع حدًا للتطبيع ويعيد القضية الفلسطينية إلى مركزيتها.
بناء تحالفات مع القوى الصاعدة في الشرق (روسيا، الصين، دول البريكس) لموازنة الهيمنة الغربية.
استنهاض وعي الشارع العربي للضغط على الحكومات كي تتحمل مسؤولياتها.
عقد قمة عربيه و اسلامية تضع حكام العالم العربي و الاسلام امام مسؤلياتهم .
تفعيل معهادة الدفاع العربي المشترك.
وفي الختام إن استمرار الإفلات من العقاب والعربدة الإسرائيلية ليس قدرًا محتومًا ، بل نتيجة لغياب الردع الدولي والتخاذل العربي ، وان لم يُكسر هذا الصمت ، ستبقى غزة وأخواتها و عواصم العرب ساحات مفتوحة للقتل ، وسيبقى العالم شاهد زور على أبشع الجرائم.
لقد تحوّل الغرب الذي يتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان إلى قاضٍ أعمى لا يرى إلا مصالحه ، وإلى مشرّع أعرج يسنّ القوانين على مقاسات إسرائيل وحدها و أما العرب ، فقد صاروا أسرى بيانات الشجب والاستنكار، يبيعون الوهم لشعوبهم ويشترون الصمت من أجل مقاعدهم.
إن مأساة فلسطين لم تعد مجرد قضية أرض محتلة ، بل أصبحت مرآة أخلاقية تعكس قبح هذا العالم ؛ فإذا كان الغرب قد تعرّى بسقوط قيمه ، فإن العرب قد انكشفوا بعجزهم وتخاذلهم ، و ان التاريخ لا يرحم : فالغرب سيسجَّل كمن دمّر العدالة باسمها ، والعرب سيسجَّلون كمن تركوا البوصلة تضيع وهم يتفرجون وفي النهاية ، لن يغفر لهم أطفال غزة ، ولن يرحمهم ضمير الإنسانية.
حمى الله الاردن وسدد على طريق الحق خطى شعبه وقيادة.