الذكاء الاصطناعي من نعمة للبشرية الى نقمة
د. ثابت المومني
12-09-2025 11:37 AM
بداية نعتذر لطول المقال للاستيفاء الموضوع حقه لخطورته.
الذكاء الاصطناعي هو قدرة الأنظمة الحاسوبية بشتى غاياتها على محاكاة الذكاء البشري في التعلم، والتحليل، والصناعة ورسم السياسات واتخاذ القرارات.
لم يعد الذكاء الاصطناعي اليوم مجرد تقنية مساعدة في البحث أو الإنتاج أو الترفيه، بل أصبح سيفًا ذا حدين يهدد استقرار المجتمعات وثقة الناس في الحقائق. فقدرته المتنامية على تلفيق الصور ومقاطع الفيديو والأخبار الكاذبة تجعل أي إنسان معرضًا للتشويه والاتهام دون أدلة حقيقية. صورة واحدة مُفبركة أو مقطع فيديو مصنوع بدقة قد يدمر سمعة شخص أو يغير مجرى قضية أو حتى يشعل فتنة بين الشعوب.
الأخطر من ذلك أن الذكاء الاصطناعي لا يكتفي بما يزوده البشر من بيانات، بل بات قادرًا على تغذية نفسه نسبيا بالمعلومات وتطوير قدراته ذاتيًا.
هذا يعني أن الخط الفاصل بين ما هو حقيقي وما هو زائف أصبح هشًا، وأن الإنسان العادي لم يعد يملك الأدوات الكافية لتمييز الصدق من الكذب.
ولئن كان الإنسان هو الذي يوجه التقنية، كما يفعل مع التلفاز أو الهاتف أو شبكة الإنترنت، حيث يختار ما يشاهد أو يسمع أو يبحث عنه، فإن الخطورة في الذكاء الاصطناعي أنه يسير بخطوات متسارعة نحو التدخل في كل تفاصيل الحياة.
وخلال أقل من خمس سنوات، قد نجده متغلغلًا في كل المجالات، لكنه سيبقى في هذه المرحلة ضمن سيطرة البشر.
غير أن الطامة الكبرى ستقع عندما يصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على تغذية نفسه بالمعلومات إلى درجة أنه يطرح حلولًا مبتكرة لمشكلات لا يستوعبها البشر أصلًا.
عندها سيتحول من مجرد أداة إلى قوة مستقلة تفكر وتبتكر بمعزل عن الإنسان، فيضع حلولًا ويصنع مشكلات ثم يقدم حلولًا أخرى، بينما يقف العقل البشري عاجزًا عن إدراك ما يحدث حوله.
في هذه اللحظة، يصبح الباب مفتوحًا أمام كوارث غير مسبوقة كنشر الأوبئة والأمراض بتعليماته، إشعال الفتن بين الشعوب، دفع الدول إلى صراعات قد تنتهي بحرب عالمية نووية مدمرة من حيث لا يدري أحد.
وقد يسارع العالم اليوم إلى سنّ التشريعات الصارمة والضوابط المحكمة للحد من مخاطر الذكاء الاصطناعي، وهذه ربما تُجدي في المدى القصير ، لكن الحقيقة المُرّة أن هذه التشريعات مهما بلغت من صرامة فانها قد تفقد قيمتها أمام الأجيال القادمة، لأن قدرات الذكاء الاصطناعي تتطور بوتيرة تفوق قدرة القوانين على اللحاق بها.
إننا أمام تحدٍ غير مسبوق في التاريخ ، كيف يمكن السيطرة على أدوات تملك قدرات تتخطى قدرة صانعيها؟!!.
إن الإجابة تتطلب وعيًا عالميًا متجددًا، واستعدادًا دائمًا لتحديث الضوابط، قبل أن يتحول الذكاء الاصطناعي من خادم مطيع للإنسان إلى سيد جبار يفرض واقعه الخاص، جيلاً بعد جيل.