العنف السياسي في أمريكا: الإرهاب المحلي بين الواقع والتحليل
د. فاطمة العقاربة
12-09-2025 11:45 AM
شهدت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة تصاعدا مقلقا في مظاهر العنف السياسي بما يتجاوز الحوادث العادية ليصبح نمطا مستمرا يعكس عمق الانقسام الداخلي في المجتمع الأمريكي ويهدد استقرار الدولة ومصداقيتها الدولية فقد شهدت البلاد محاولات اغتيال ضد شخصيات سياسية بارزة بما في ذلك الناشط المحافظ تشارلي كيرك في سبتمبر 2025 الذي وصفته السلطات بأنه اغتيال سياسي، إضافة إلى محاولات سابقة استهدفت نانسي بيلوسي، والرئيس الحالي دونالد ترامب، وجون هوفمان، وبرايان طومسون، إلى جانب اقتحام مبنى الكابيتول ووضع قنابل أنابيب عند مقار الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
وهذه الأحداث لا تمثل مجرد أعمال عنف فردية بل تشير إلى استراتيجية واضحة تستخدم العنف لتحقيق أهداف سياسية وهو ما يندرج ضمن تعريف الإرهاب الداخلي وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة ومختبر مكافحة التطرف Counter Extremism Project وتُصنف هذه الأفعال على أنها إرهاب داخلي لأنها تستهدف رموز الدولة ومؤسساتها وتهدف إلى إحداث حالة من الخوف الجماعي والتأثير على القرارات السياسية وهو أحد المعايير الدولية لتعريف الإرهاب.
وبذلك فإن العنف السياسي في أمريكا اليوم ليس مجرد أزمة محلية بل ظاهرة تهدد استقرار الدولة الديمقراطية من الداخل وتضعف مصداقيتها على الصعيد الدولي وتنعكس آثار هذه الأحداث بشكل مباشر على السياسة الخارجية الأمريكية لا سيما في منطقة الشرق الأوسط فقد أظهرت الدراسات أن الانشغال بالعنف الداخلي يؤدي إلى انكفاء أمريكي عن التدخل المباشر في ملفات المنطقة الاستراتيجية مما يتيح لدول أخرى مثل روسيا والصين تعزيز نفوذها وهذا التراجع في الحضور الأمريكي يقلل من قدرة واشنطن على إدارة الملفات الحساسة مثل القضية الفلسطينية التطبيع العربي الإسرائيلي والوضع في إيران ويجعل هذه القضايا عرضة للمزايدات الداخلية بين الحزبين بدلا من إدارتها برؤية استراتيجية طويلة المدى.
كما أن تصاعد العنف السياسي يؤثر في صورة النموذج الديمقراطي الأمريكي في العالم العربي فلو كانت الديمقراطية الأمريكية عاجزة عن حماية ممثليها المنتخبين من الاغتيال والاعتداء فإن قدرتها على الترويج لهذا النموذج في دول المنطقة تصبح موضع شك مما يعزز مشاعر الإحباط والرفض تجاه السياسات الأمريكية.
وتوضح هذه الوقائع أن الإرهاب الداخلي الأمريكي له أبعاد محلية ودولية إذ أن العنف السياسي لا يقتصر أثره على الداخل فحسب بل يمتد إلى تشكيل معادلات النفوذ في الشرق الأوسط والعالم .
إن معالجة هذه الظاهرة تتطلب جهودا جادة من جميع الأطراف السياسية الأمريكية بالإضافة إلى تعاون المجتمع الدولي لدعم استقرار الديمقراطية الأمريكية والحفاظ على مصداقيتها كنموذج سياسي قادر على إدارة الخلافات دون اللجوء إلى العنف .
وفي الختام يمكن القول إن العنف السياسي في الولايات المتحدة يرقى إلى مستوى الإرهاب الداخلي ليس فقط لأنه يستهدف شخصيات ومؤسسات الدولة لتحقيق أهداف سياسية بل لأنه يهدد الأمن الداخلي ويؤثر على السياسة الخارجية بما في ذلك ملفات الشرق الأوسط الحيوية ما يجعل فهم هذه الظاهرة والتعامل معها ضرورة استراتيجية على المستوى المحلي والدولي.