المشهد الحزبي في الأردن بين الحاجة إلى الهوية وضرورة التوازن الفكري
د. بركات النمر العبادي
13-09-2025 06:54 PM
من يقرأ المشهد السياسي الأردني بعين الباحث يلحظ أن الإشكالية الأساسية ليست في عدد الأحزاب أو حجمها ، بل في غياب الهوية الفكرية الواضحة التي تجعل الحزب مشروعاً سياسياً متماسكاً ، لا مجرد إطار تنظيمي ، فالحياة الحزبية لا تُبنى على التنظيمات الشكلية ، وإنما على الرؤى والأفكار التي تمنح كل حزب معنى ورسالة ودوراً محدداً في المجتمع.
ان التجارب التاريخية، تؤكد أن الأحزاب التي امتلكت مشروعاً فكرياً واضحاً استطاعت أن تحافظ على مكانتها، حتى عندما واجهت ضغوطاً أو تحديات ، فالأيديولوجيا ليست مجرد شعارات ، بل هي "البوصلة" التي تحدد اتجاهات الحزب وتمنحه الشرعية في نظر قواعده ومجتمعه ، فالناصرية عربياً لم تكن مجرد برنامج اقتصادي ، بل كانت رؤية قومية ، والإسلام السياسي لم يقتصر على خطاب دعوي ، بل قدّم تصوراً متكاملاً للمجتمع والدولة ، و حتى التجارب الليبرالية والاشتراكية لم يكن لها حضور إلا بقدر وضوح رسالتها الفكرية.
في الأردن نلاحظ أن المعارضة ما زالت تحتفظ بخطاب عقائدي متماسك ، سواء عبر التيار الإسلامي الذي يمتد في المجتمع بقواعده التنظيمية والفكرية ، أو عبر حضور رمزي لبعض الأحزاب القومية واليسارية، وفي المقابل، نجد أن معظم الأحزاب الأخرى تميل إلى الطابع العملي – التكنوقراطي ، فتُعرّف نفسها ببرامج اقتصادية وتنموية عامة ، لكنها لا تضع هذه البرامج في إطار مرجعي فكري متماسك، وهذا ما يخلق حالة "اللا توازن" : شارع يجد خطاباً عقائدياً من المعارضة ، في مقابل خطاب إداري أو تنموي من غيرها ، وهذه حالة التوازن الغائب في الأردن .
في هذا السياق، يبرز حزب المحافظين الأردني كمحاولة للخروج من أسر العمل الحزبي التقليدي ،الحزب أعلن منذ البداية أن غايته ليست الاكتفاء بالشعارات العامة بل صياغة مشروع فكري محافظ يحافظ على الثوابت الوطنية ، ويوازن في الوقت ذاته بين متطلبات الدولة الحديثة والتطلعات الشعبية ، هذه الرؤية تمنحه إمكانية التحول إلى حزب "هوية" لا حزب "إدارة"، وهو ما تحتاجه الحياة الحزبية الأردنية.
حزب المحافظين الاردني بهذا المعنى لا يسعى لمجاراة المعارضة أو استنساخ خطابها، بل لتقديم بديل فكري واقعي ينطلق من خصوصية الحالة الأردنية: نظام سياسي مستقر، مجتمع متماسك ، وتحديات إقليمية معقدة ، إن تقديم خطاب محافظ يربط بين الهوية الوطنية العميقة وبين الإصلاح السياسي والاقتصادي هو ما يمنحه فرصة لأن يكون طرفاً مؤثراً في التوازن المطلوب.
ان الإصلاح الحزبي في الأردن لا يكفي أن يُقاس بعدد الأحزاب المُرخصة أو حجم المشاركة في الانتخابات ، بل بقدرة هذه الأحزاب على تقديم مشاريع فكرية واضحة تُترجم إلى برامج عملية. المطلوب أن ننتقل من "أندية سياسية" تتداول العموميات إلى أحزاب تمتلك هوية فكرية تعطي معناها للسياسة ، و هذا التحول لا يعني الانغلاق الأيديولوجي ، بل يعني وجود إطار مرجعي يربط بين المبادئ والبرامج ويعطيها مصداقية لدى الناس.
وفي الختام ان الحياة الحزبية الأردنية تقف اليوم أمام مفترق طرق : إما أن تبقى أسيرة التنظيمات الشكلية والخطاب العمومي ، وإما أن تنتقل إلى مرحلة بناء الهوية السياسية الواضحة. المعارضة تمتلك جانباً من هذه الهوية ، لكن التوازن يتطلب وجود أحزاب أخرى تملك خطاباً فكرياً مقنعاً ، وهنا يمكن أن يشكّل حزب المحافظين الأردني نقطة انطلاق نحو صياغة تجربة حزبية جديدة : تجربة تستند إلى الفكر لا إلى التكتيك ، وإلى الهوية لا إلى الشعارات ، ليصبح المشهد السياسي الأردني أكثر ثراءً وتوازناً وقدرة على الاستجابة لتحديات الداخل والإقليم.
حمى الله الاردن وسددعلى طريق الخير خطى قيادته وشعبه.