ترامب على خطى غوبلر ويتفوق في "كذب ما بعد الحقيقة"
صالح الراشد
14-09-2025 09:52 AM
"كذب ما بعد الحقيقة" هو الطريقة الأحدث لصناعة إرباكات عند الشعوب ونقلهم من موقع الباحث عن الحقيقة إلى الرافض لها لوقوعه تحت التأثير العاطفي أو الأيديولوجي، وتنتصر فيها المشاعر والمعتقدات الخاصة والشخصية على الحقائق الموضوعية المُثبتة علمياً في تشكيل الرأي العام بعد أن تقع الشعوب في مصيدة التضليل الإعلامي، ليتم صناعة بيئة مجتمعية لا تبحث عن المعرفة وغير مهتمة بالحقيقة وتصدق الروايات العاطفية التي تقترب من شعور شعوبها ورغباتهم.
ويخلط البعض بين الكذب العادي المتداول إجتماعياً و"كذب ما بعد الحقيقة" القائم على العبث بالفكر، فالكذب العادي يعتمد على تحريف الحقيقة أو إخفائها لذا فمن الممكن كشفه بسهولة ويسر ويعتبره الجميع سلوك غير أخلاقي، أما "كذب ما بعد الحقيقة" فهو سلاح مرعب يتم فيه إلغاء الحقيقة واللجوء للقصص الشعبوية والروايات التي تعبث بالشعور العاطفي الإنساني، لذا يصعب اكتشاف هذا النوع من الكذب كون الجماهير تصبح جزء من الرواية بل تروج لها في كل مكان وزمان على اعتبار أنه حقيقة واقعية لا تقبل الشك.
وللحق وللتاريخ فإن رئيس الولايات المتحدة ترامب يعتبر الأبرز في هذا المجال ولا يترك مناسبة إلا ويمارس فيها "كذب ما بعد الحقيقة"، مما ساهم في زيادة شعبيته وبالذات بين أنصاره الذين كانوا على أتم الاستعداد لخوض حرب أهلية لو خسر الانتخابات الماضية وحقق فيها بفضل ألاعيبه فوزاً كاسحاً، لنجد أنه يصر على الظهور الإعلامي اليومي أو عبر حسابه على منصة "إكس" لسرد روايات جديدة، ويكررها بشكل مستمر حتى ترسخ في فكر المتلقين بفضل قدرته على أن يبدوا صادقاً في روايتها، وبالتالي نجح بامتياز في العبث بالفكر الأمريكي العام.
فترامب وخلال خطاباته عمل على تجاهل الحقائق وسيطر على المشاعر ليتقبل الحضور خرافاته وإحساسه الخاص بالقضايا المحلية والعالمية دون أن يقدم معلومات علمية دقيقة، ولإخفاء الحقيقة يقوم بالهجوم على أي مركز دراسات أو مؤسسة إعلامية تقدم معلومة حقيقية تتنافى مع ما يقول، وفي المحصلة نجح ترامب في تحويل الحقيقة لمجرد رأي شخصي بما فيها الخيانة، لتكون المصيبة الكبرى بأن ترامب لا يعبث بالشعب الأمريكي بل تعدا ذلك ليؤثر على الفكر والنهج السياسي العالمي، صانعاً عالماً موازياً للحقائق مليء بالخرافات والأكاذيب دون أن يجرؤ أحد على مواجهته بعد أن أفقد المؤسسات الإعلامية قيمتها ودورها ليصبح هو وحده مصدر المعلومات..
آخر الكلام:
استخدم ترامب نظرية وزير الدعاية الألماني في الحقبة النازية يوزف غوبلز، حين قال: إكذب إكذب حتى يصدقك الناس"، لكن ترامب وصل لمرحلة في تكرار الأكاذيب حتى صدقها نفسه على أنها حقائق.