الجنوب .. أرض تفيض بالخيرات .. وأهلها في الانتظار
محمود الدباس - أبو الليث
15-09-2025 11:29 AM
الجنوب الأردني.. ليس مجرد مساحة جغرافية تمتد من الكرك إلى العقبة.. بل هو قلب نابض بالتاريخ.. والكرامة.. والتضحيات.. أرض غنية بكل شيء.. إلا العدالة في توزيع ما تفيض به من خير.. ترى القلاع شاهدة على بطولات الرجال.. والجبال شاهقة تحكي قصة صبر وصمود.. فيما القرى والبلدات تنظر إلى الواقع بعين العتب.. وكأنها تسأل.. إلى متى الانتظار؟!..
خيرات الجنوب لا تُحصى.. فالفوسفات المستخرج من معان والكرك.. يرفد خزينة الدولة منذ عقود.. والبوتاس والبرومين من البحر الميت.. ثروة استراتيجية تُصدَّر إلى العالم.. والبترا جوهرة أثرية.. يتقاطر إليها ملايين السياح كل عام.. والعقبة نافذة الأردن الوحيدة على البحر.. وميناء يربطنا بالشرق والغرب.. وحتى الديسة.. التي تضخ المياه العذبة عبر أنابيبها إلى عمان ووسط الأردن.. يظل أهلها يراقبون الماء يمرّ من تحت أقدامهم.. وهم يعانون العطش في بيوتهم..
أيّ مفارقة هذه؟!.. أرض تعطي وتغذي الوطن كله.. وأهلها يبقون في دائرة الحرمان.. الفقر يتجذر.. البطالة تفتك بالشباب.. الخدمات الصحية والتعليمية متواضعة.. والفرص شحيحة.. حتى اضطر كثير من أبناء الجنوب للهجرة الداخلية.. إلى السلط وعمان.. وإربد.. والزرقاء.. بحثا عن عملٍ وعيشٍ كريم.. تاركين وراءهم قراهم.. التي تحولت إلى بيوت نصف فارغة.. يملؤها الحنين أكثر مما يملؤها الأمل..
الحكومات المتعاقبة.. لم تقصّر في إطلاق الشعارات.. اللامركزية.. المناطق التنموية.. برامج التشغيل.. لكن على أرض الواقع.. لم تتغير الملامح.. فالمشاريع موسمية.. أو آنية.. تظهر مع الاحتجاجات.. أو زيارات المسؤولين.. ثم تخبو دون أثر مستدام.. وكأن التنمية في الجنوب مجرد رد فعل.. لا رؤية راسخة.. تعطي لأبناء المكان ما يستحقون..
في العقبة مثلا.. أنشئت منطقة اقتصادية خاصة.. لكنها بدت وكأنها جزيرة منفصلة.. لم تمتد ثمارها إلى معان.. أو الطفيلة.. أو الكرك.. والبترا تحولت إلى مقصد عالمي.. لكن أهلها ما زالوا يعملون في أعمال موسمية غير مستقرة.. بينما كان يمكن أن تصبح واديا سياحيا متكاملا.. يخلق استثمارات وفرصا تمتد على مدار العام.. والفوسفات والبوتاس.. تخرج أطنانا هائلة.. بينما المدارس القريبة منها.. ما زالت تعاني من نقص المعلمين والبنية التحتية..
حتى الماء.. هذا الرمز للحياة.. صار شاهدا على المفارقة.. الديسة تضخ الماء إلى قلب الوطن.. بينما هي نفسها تعاني من شح في التزويد وانقطاعات متكررة.. فكيف لمن يروي الآخرين.. أن يُترك عطشانا؟!..
أنا لست من الجنوب.. بل من السلط في الوسط.. لكني أؤمن.. أن الوطن لا يُقسَّم بين شمال وجنوب.. وشرق وغرب.. فما يصيب جزءا منه يوجعني.. كما لو أنه أصاب مدينتي.. والعدالة في التنمية ليست منّة.. ولا تفضلا.. بل هي حق أصيل لكل أردني.. في أي قرية.. أو مدينة..
إنصاف الجنوب ليس مطلبا لأهله وحدهم.. بل هو قضية وطنية.. لأن ما يبقى مهملا هناك.. يترك أثره على استقرارنا الاجتماعي والاقتصادي كله.. وأيّ وطن يمكن أن ينهض بجناح واحد؟!..
لقد آن الأوان.. أن نتوقف عن الاكتفاء بالشعارات.. وأن ننظر إلى الجنوب بما يليق بتاريخه.. وكرامته.. وثرواته.. آن الأوان.. أن يرى أهل الكرك ومعان والطفيلة والبترا والعقبة.. أن خيرات أرضهم.. تعود عليهم بشيء من الرخاء.. أن يجد الشاب عملا كريما.. والمزارع سوقا عادلا.. والسائح بيئة متكاملة.. والمجتمع حياة تليق بتضحياته..
الجنوب أعطى الوطن الكثير.. وحان أن يأخذ على الأقل.. شيئا مما فيه من خيرات.. فالوطن الذي لا يعدل بين أبنائه.. يترك جرحا مفتوحا في خاصرته.. والجنوب يستحق أن يلتفت إليه الوطن.. لا بالوعود.. بل بالعدل.. والفعل..