لغة شجب العدوان الإسرائيلي على قطر في بيانات الدول ودلالاتها
الدكتور عادل الطويسي
15-09-2025 09:06 PM
على الرغم من شجب الكثيرين ممن يهمهم الأمر لما صدر من شجب من العديد من الدول العربية والإسلامية كونه، من وجهة نظرهم ، لا يفعل شيئا على أرض الواقع، إلا أنني سأتناول في هذه المقالة تفاوت بعض مفردات الشجب أو الإدانة ودلالاتها اللغوية والسياسية والدبلوماسية.
أولا/ سأبدأ بالمفردات التي وردت في بيان القمة العربية والإسلامية الطارئة التي عقدت في الدوحة يوم الإثنين 15 / 9 / 2025 في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على قطر.
جاء في البيان المشار اليه المفردات التالية:
- وصف الحدث ب "العدوان" و "العدوان الغاشم"، حيث تكرر هذا الوصف ثماني مرّات في بيان القمة.
- "الهجوم الجبان غير الشرعي"، حيث ورد هذا الوصف مرّة واحدة.
- "العدوان الغادر"، مرّة واحدة.
ثانياً/ بيانات بعض الدول العربية والإسلامية:
1. الأردن : جاء في بيان وزارة الخارجية الأردنية عبارات:
الإدانة بأشد العبارات ل "القصف الإسرائيلي" على العاصمة القطرية ... ، رفض المملكة المطلق وادانتها الشديدة لهذا "الإعتداء" ... كما تم تجديد وقوف المملكة الكامل مع دولة قطر الشقيقة ... الملك أكد تضامن الأردن مع قطر وأن أمنها من أمن الأردن. وزير الخارجية في كلمته في مجلس الأمن "إسرائيل دولة مارقة مجبولة على الكراهية" ... "و ندين هذا "العدوان الغادر".
2. مصر : في بيان رئاسة الجمهورية جاءت مفردات "الإدانة الشديدة والاستنكار البالغ للعمل العدواني" ... "الإعتداء يمثل سابقة خطيرة" ...
3. السعودية: بيان وزارة الخارجية وكلمة سمو ولي العهد في مجلس الوزراء: "العدوان الوحشي والإجرامي ..." و " تضع المملكة كل امكاناتها لمساعدة قطر في كل ما تتخذه من إجراءآت ..."
4. الإمارات: إدانة "للهجوم السافر" واستدعاء نائب السفير الإسرائيلي في الإمارات والاحتجاج على "الهجوم السافر".
5. البحرين: إدانة "الهجوم الإسرائيلي" و "دعوة للتهدئة".
6. سلطنة عُمان : إدانة "للهجوم الغاشم" على قطر والوقوف الى جانبها ...
7. ايران: إدانة "الهجوم المسلح" على قطر ...
ثالثا/ تحليل:
1. يلاحظ أنه لم يرد في أي من البيانات الرسمية أعلاه أي اشارة الى أن الدولة المعنية ستقوم بمراجعة و/ أو إعادة تقييم علاقاتها (السياسية والإقتصادية مثلا) مع اسرائيل، أو الولايات المتحدة الأمريكية (وهي التي أعطت الضوء الأخضر للعدوان).
إلا أنه يلاحظ أن كندا، وهي الدولة غير العربية ولا الإسلامية قد جاء في بيانها أنها ستقوم بمراجعة واعادة تقييم علاقاتها مع اسرائيل "(Review and re-evaluate”)
من المهم في هذا الصدد الإشارة الى أن هذا المستوى من النقد/ الشجب يصنف دبلوماسيا في أعلى المراتب ويفسر بأنه تهديد من الدولة المعنية بأنها تشعر أن مصالحها السياسية والإقتصادية مع الدولة المهددة أصبحت عبئا لا يحتمل.
ويستذكر المؤرخون والسياسيون هنا تهديد الرئيس الأمريكي جيرالد فورد لإسرائيل عام 1975 بمراجعة وإعادة تقييم العلاقات الأمريكية معها ما لم توقع اتفاقية فك الاشتباك مع مصر تمهيداً لانسحابها من سيناء. وهو الأمر الذي لم يحدث في واقع الأمر لأن نتيجة الانتخابات داهمت فورد لصالح جيمي كارتر آنذاك. كما يذكر هنا تهديد وزيرة خارجية الولايات المتحدة جيمس بيكر (إبان رئاسة جورج بوش الأب) عام 1990 بمراجعة علاقات أمريكا مع اسرائيل اذا لم تحضر مؤتمر مدريد للسلام، فانصاعت إسرائيل لذلك وحضرت المؤتمر عام 1991 برئاسة إسحق شامير.
2. من الملاحظ أن بيانات بعض الدول الخليجية التي ترتبط بعضوية مجلس التعاون الخليجي مع قطر خلت في البداية من كلمة "عدوان" واكتفت بمفردات مثل "اعتداء و/أو هجوم"، وهي كلمات في التحليل اللغوي والعرف الدبلوماسي أقل بكثير من مفردة "العدوان". وفي المجال القانوني والمواثيق الدولية تستخدم كلمة "عدوان"، إذ أن "الإعتداء" يمكن أن يحدث حتى بين دولتين صديقتين! ولعل ارتباط بعض دول مجلس التعاون بعلاقات دبلوماسية وسياسية مع إسرائيل كان وراء ذلك.
3. أما البيان الصادر عن القمة العربية-الإسلامية فقد كفّى و وفى باستخدام مفردة "العدوان " وكررها في كل فقرة تعود على الحدث، ناهيك عن استخدام تعبير "الهجوم الجبان غير الشرعي".
4. عززت الزيارات التي قام بها مسؤولون من المستوى الرفيع لدولة قطر مباشرة بعد العدوان الشعور بأن الدم العربي لا يمكن أن يصبح ماء. ومن ذلك زيارة سمو ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية وسمو رئيس دولة الإمارات المتحدة. وفي تلك الزيارات ما هو أقوى من اللغة والكلمات.
*الدكتور عادل الطويسي/ وزير تعليم عالي ووزير ثقافة أسبق.