اليس من المدهش أن القضاة الذين يعملون على تحقيق العدل بين الناس يعجزون عن تحصيل حقوقهم؟!.
أليس غريبا أن الحكومة تعلم أو لا تعلم بالازمة التي تتفاعل في السلطة القضائية ولا تتحرك لحلها وهي السبب فيها؟!.
وهل عبارات استقلال ودعم السلطة القضائية في بيانات الثقة الحكومية امام مجلس الأمة مجرد عبارات إنشائية تتكرر مع كل حكومة جديدة؟؟ هذا هو الواقع المر، والأمر منه ان الحكومات تنظر للقضاة ذات النظرة الى أي موظف في الادارة العامة متناسية ان مرفق القضاء يختلف اختلافا جوهريا عن مرفق الحكم الاداري أو ادارة مياه العاصمة.
القاضي يعمل ١٤ ساعة يوميا كحد أدنى حتى في أيام العطلة الاسبوعية والأعياد، وليس في هذا القول مبالغة واتحدى ان تقوم أي لجنة محايدة بالتحقق من ذلك.
القاضي مقيد ببروتوكول اجتماعي ثقيل يلقي على كاهله مسؤولية وكلفة مالية زائدة تتجاوز غيره من موظفي الدولة.
هناك عدد غير قليل من كبار موظفي الدولة يتقاضون رواتب وامتيازات ومكافآت مجالس ادارة ولجان وسفريات ومؤتمرات.. الخ بما يفوق ضعفي راتب أعلى درجة في السلم القضائي.
وبالرغم ان عدد القضاة لم يتجاوز الف قاض وهم سلطة مستقلة بحكم الدستور إلا أنهم يعانون الأمرين عند مراجعة طبيب أو مستشفى فالتأمين الصحي للقضاة يعاني من عراقيل إدارية وكلفة مالية جانبية يدفعها القاضي بسبب الاستثناءات من التغطية التأمينية
أزمة قضاة الدرجة الخاصة قضية بيد الحكومة فالقاضي يستحق الترفيع وجوبيا الى الدرجة العليا اذا أمضى خمس سنوات في الدرجة الخاصة ولدينا اليوم عشرات القضاة الذين تجاوزوا خمس سنوات في الدرجة ولا يتم منحهم حقهم الملزم بالترفيع، والسبب لا يوجد شواغر ولا مخصصات مالية من الحكومة !! فلمن يشتكي القضاة؟
وبعد ان فقدوا الأمل بالترفيع الى الدرجة العليا بدأ عدد منهم يغادرون السلطة القضائية الى مهنة المحاماة، إذ ليس هناك فرق بين راتبه التقاعدي وراتبه ان بقي عاملا بالدرجة الخاصة!! فهو إذن يعمل مجانا!!. بينما ينظر الزملاء من الطابق العالي الى الازمة ببرود أعصاب.
هذا الامر ينذر بافراغ السلطة القضائية من الكفاءات والخبرات العميقة.
في الدول المتقدمة التي تحترم وتبجل السلطة القضائية العلاج والتنقل والتعليم لابناء القاضي وأسرته (كرت مفتوح) لا يسأل عنه القاضي ولا تتم مراجعته فيه، فالرجل الذي يقرر الحقوق للناس سيكون قراره لاسرته ولنفسه عادلا وفي حدود الحاجة، فالقاضي الذي يصدر الأحكام باسم جلالة الملك لن يقرر لنفسه وعائلته ما يتجاوز حدود الاحتياج المعقول.