هولندا .. نموذج عالمي في تعزيز أولوية المشاة عند الممرات
هاشم عقل
18-09-2025 02:12 PM
في عالم يتسارع فيه إيقاع الحياة الحضرية، تبرز هولندا كنموذج رائد في ضمان سلامة المشاة وإعطائهم الأولوية عند ممرات العبور.
بفضل نهجها المتكامل الذي يجمع بين التشريعات الصارمة، التصميم الحضري الذكي، والتوعية المجتمعية، استطاعت هولندا أن تحقق معدلات أمان مروري من بين الأعلى عالميًا، مما يجعلها مثالًا يُحتذى به للدول التي تسعى لتعزيز التنقل المستدام.
قوانين صلبة وإنفاذ صارم
في صميم نجاح هولندا يكمن إطارها التشريعي الواضح
تنص قوانين المرور الهولندية على أن المشاة لهم الأولوية المطلقة عند استخدام ممرات “الزيبرا”، وهي الخطوط البيضاء العريضة التي تُميز معابر المشاة. السائقون ملزمون بالتوقف الكامل فور اقتراب أي مشاة، وأي مخالفة قد تُكلفهم غرامات تتراوح بين 150 و400 يورو، إلى جانب تسجيل نقاط على رخص القيادة. هذا الإنفاذ الصارم، المدعوم بكاميرات المراقبة الذكية ودوريات الشرطة، يضمن التزامًا عاليًا بقواعد الأولوية.
تصميم حضري يخدم المشاة
لا تقتصر جهود هولندا على التشريعات، بل تمتد إلى تصميم بنية تحتية مبتكرة. ممرات المشاة في مدن مثل أمستردام غالبًا ما تكون مرتفعة عن مستوى الطريق، مما يجبر السيارات على الإبطاء ويعزز رؤية المشاة وتُزوَّد هذه الممرات بإضاءة قوية وخطوط واضحة، مع أضواء أرضية في بعض المناطق تُفعَّل عند اقتراب المشاة في المناطق السكنية، تُطبق حدود سرعة منخفضة (30 كم/ساعة) لتقليل المخاطر، بينما تُصمم التقاطعات الذكية بحساسات تكتشف حركة المشاة وتُعدّل إشارات المرور تلقائيًا.
التوعية: بناء ثقافة احترام المشاة
الثقافة الهولندية تُعزز احترام المشاة كجزء لا يتجزأ من الحياة اليومية. تبدأ هذه الثقافة من المدارس، حيث يتعلم الأطفال قواعد السلامة المرورية منذ الصغر. حملات توعوية مستمرة، مثل تلك التي تُنظمها منظمة “هولندا المرور الآمن”، تذكّر السائقين بمسؤوليتهم تجاه المشاة. هذا الجهد يمتد إلى المشاة أنفسهم، حيث يُشجعون على استخدام الممرات بأمان من خلال حملات إعلامية مكثفة.
التكنولوجيا في خدمة السلامة
هولندا لا تتوقف عند الحلول التقليدية، بل تستثمر في التكنولوجيا لتعزيز أولوية المشاة. أضواء LED الأرضية التي تُضيء عند عبور المشاة، وحساسات الحركة التي تُغير إشارات المرور، أصبحت جزءًا من المشهد الحضري في مدن عديدة وبعض المناطق تستخدم أنظمة تنبيه ذكية عبر تطبيقات الهواتف لتحذير السائقين عند اقترابهم من ممرات المشاة.
نماذج ملهمة
في مدن هولندا ، تُطبق مفهوم “الفضاءات المشتركة” حيث يتفاعل المشاة، راكبو الدراجات، والسيارات دون إشارات مرور تقليدية، مع أولوية مطلقة للمشاة. أما أمستردام، فتُركز على دمج ممرات المشاة مع مسارات الدراجات بتصميم يضمن السلامة. وفي روتردام، تُستخدم تقاطعات ذكية تتكيف مع كثافة حركة المشاة، مما يقلل من التأخير ويعزز الأمان.
النتائج والدروس
نتيجة لهذه الجهود، تُسجل هولندا واحدة من أدنى معدلات الحوادث المرورية المتعلقة بالمشاة عالميًا. المشاة يشعرون بالثقة والأمان، مما يشجع على المشي كوسيلة تنقل مستدامة، ويقلل الاعتماد على السيارات، مما يدعم أهداف الاستدامة البيئية.
ومع ذلك، تواجه هولندا تحديات مثل الازدحام في المناطق الحضرية، لكنها تتغلب عليها بتصميمات ديناميكية توازن بين احتياجات الجميع.
تقدم هولندا درسًا قيمًا للعالم في كيفية إعطاء الأولوية للمشاة من خلال التكامل بين القوانين، البنية التحتية، والتوعية. يمكن للدول الأخرى، بما في ذلك الأردن والدول العربية، الاستفادة من هذا النموذج عبر تكييف هذه الممارسات مع السياقات المحلية، لضمان مدن أكثر أمانًا واستدامة للجميع.