تعديل الصور والفيديوهات بالذكاء الاصطناعي في القانون الأردني
المحامية رزان الفاعوري
18-09-2025 07:41 PM
أصبح الذكاء الاصطناعي أداة قوية في تعديل الصور والفيديوهات بطريقة واقعية جدًا، ما يفتح المجال أمام استخدامات إبداعية في الإعلام والترفيه والفنون. لكن في المقابل هناك خطورة الاستعمال الخاطئ لهذه الأدوات، خاصةً في تركيب أو تعديل الصور والفيديوهات ونشرها عبر الإنترنت. إذ أن هذه الأفعال غالبًا ما تكون بدافع الإساءة أو التشهير، وتشكل مساسًا خطيرًا بالخصوصية والسمعة وتؤدي إلى أضرار جسيمة على الأفراد.
وفي مجتمع محافظ كالأردن، حيث يصعب على الناس التمييز بين الصور والفيديوهات الحقيقية والمعدلة، تصبح هذه الأفعال أكثر خطورة، لأنها قد تدمر سمعة الأفراد بسرعة وتخلق نزاعات أو مشاكل عائلية ومجتمعية، فضلًا عن خضوعها للمساءلة القانونية .
المسؤولية القانونية لتعديل الصور ومقاطع الفيديو بالذكاء الاصطناعي
اولا : المسؤولية الجزائية
رغم أن النصوص القانونية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي ما تزال حديثة نسبيًا، إلا أن بعض أحكام القانون الأردني تنطبق على الأفعال المرتبطة بتعديل الصور والفيديوهات بما يمس سمعة الآخرين أو خصوصيتهم فقانون الجرائم الإلكترونية الأردني رقم 17 لسنة 2023 نص في المادة 20/ب منه على أن: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن 25,000 دينار ولا تزيد على 50,000 دينار كل من قام قصداً باستخدام نظام المعلومات أو الشبكة المعلوماتية أو أي وسيلة تكنولوجيا معلومات في تركيب صور أو مقاطع صوتية أو مرئية أو نشرها أو عرضها أو إعادة نشرها أو تداولها بقصد الإساءة أو التشهير بأي شخص.”
وهذا النص يُطبّق بشكل مباشر على الأفعال المرتكبة باستخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد أو تعديل الصور والفيديوهات، لأن هذه التقنية تعتبر وسيلة من وسائل تكنولوجيا المعلومات التي قد تُستعمل في الإساءة أو التشهير ،كما نصت المادة 188 من قانون العقوبات الأردني على معاقبة كل من يقدم على فعل يؤدي إلى المساس بسمعة أو شرف شخص آخر بالحبس أو الغرامة، وهو ما ينطبق على حالة تركيب الصور أو المقاطع بقصد التشهير أو الإساءة.
ثانياً :المسؤولية المدنية
إلى جانب العقوبات الجزائية، تترتب على مرتكب فعل تعديل الصور والفيديوهات باستخدام الذكاء الاصطناعي مسؤولية مدنية تُلزم بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بالغير.فقد نصت المادة(256) من القانون المدني الأردني على أن كل إضرار بالغير يلزم فاعله بالتعويض، كما أقرت المادتان(266 و267) حق المتضرر في التعويض عن الضرر الأدبي والمعنوي إذا كان فيه مساس بالكرامة أو الشرف أو السمعة. وبناءً على ذلك، يحق للمتضرر المطالبة بجبر الضرر الذي أصابه نتيجة نشر أو تداول صور أو فيديوهات معدلة، سواء كان هذا الضرر ماديًا كفقدان عمل أو فرصة، أو معنويًا كالإساءة إلى سمعته واعتباره الاجتماعي.
التحديات في التطبيق والإثبات
من أبرز العقبات التي تواجه المشرّع والجهات القضائية في الأردن صعوبة الإثبات الفني وغياب الخبرة التقنية المتخصصة. التقنيات الحديثة في الذكاء الاصطناعي باتت تنتج صورًا وفيديوهات عالية الدقة يصعب على غير المختصين تمييزها عن الحقيقية. وهذا يتطلب خبراء قادرين على استخدام أدوات متقدمة لكشف التعديلات، وهو مجال ما زال حديثًا في الأردن.
الواقع الحالي يُظهر أن القدرة المحلية في هذا المجال محدودة، إذ إن الخبرة الفنية المتخصصة في التعامل مع التعديلات عبر الذكاء الاصطناعي غير متوفرة بشكل كافٍ ، ما يؤدي إلى تأخر التحقيقات وصعوبة إقناع المحكمة بالدليل الفني. ونتيجة لذلك، قد يجد المتضرر نفسه أمام تحدٍ كبير في إثبات تعرضه للإساءة أو التشهير او الاحتيال .
إن استخدام الذكاء الاصطناعي في تعديل الصور والفيديوهات يمثل سلاحًا ذو حدين؛ فهو يحمل إمكانيات إبداعية وفنية كبيرة، لكنه في المقابل يفتح الباب أمام ممارسات غير مشروعة تمس بالكرامة الإنسانية والخصوصية ، وتزداد خطورة هذه الممارسات في ظل صعوبة السيطرة على تداولها وانتشارها السريع عبر الإنترنت. ومن هنا، تبرز الحاجة الملحة لتطوير الخبرات المحلية في الأردن، وتعزيز التعاون بين المشرّع والقضاء والأجهزة الفنية، لضمان قدرة القانون على مواجهة هذه التحديات وحماية المجتمع والأفراد من آثارها الضارة .