تحديات المشاريع الصغيرة في السوق الأردني
د. إبراهيم لويس مقطش
19-09-2025 03:03 PM
تواجه المشاريع الصغيرة في الأردن مجموعة من التحديات الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على بنائها وقدرتها على الاستمرار والنمو. ورغم أنَّ هذه المشاريع تشكل جزءًا مهمًا من الاقتصاد الوطني، إذ تمثل ركيزة أساسية فيه، حيث تشكل أكثر من 90% من الشركات، وتسهم بنسبة 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وتستوعب حوالي 60% من القوى العاملة، وتساهم في خلق فرص عمل وتقليل البطالة، إلا أنَّها غالبًا ما تعاني من ثغرات في التخطيط والتنفيذ تجعل نجاحها محدود المدى.
وذلك للأسباب التالية:
أولًا، ضعف القدرة الشرائية. يُعتبر انخفاض القدرة الشرائية لدى المستهلك الأردني من أبرز العوامل المؤثرة على المشاريع الصغيرة. فالمستهلك يبحث دائمًا عن السعر الأقل، مما يضغط على أصحاب المشاريع ويدفعهم إلى اتباع استراتيجيات قصيرة الأجل لتحقيق مبيعات سريعة، حتى لو جاء ذلك على حساب الجودة أو الاستدامة.
ثانيًا، غياب الدراسات السوقية والتخطيط الاستراتيجي. إذ إن كثيرًا من المشاريع يتم إطلاقها دون دراسة كافية لحاجات السوق أو تحليل كافٍ للمنافسة، بل يعتمد كثير منها على التقليد الأعمى لمشاريع أخرى دون إدراك لطبيعة الطلب أو حجم العرض. هذا يؤدي إلى تشبّع بعض القطاعات في وقت قصير، وإلى خسارة سريعة لرأس المال.
ثالثًا، ضعف ثقافة بناء العلامة التجارية. إذ ما تزال ثقافة بناء العلامة التجارية (Branding) وتحديد موقعها في ذهن المستهلك (Brand Positioning) محدودة. لذا، يعتمد الكثير من أصحاب المشاريع الصغيرة على البيع السريع. إذ إن الكثير من المشاريع الصغيرة تعتمد على البيع اللحظي أكثر من بناء صورة ذهنية أو قيمة مضافة للمستهلك، ما يجعلها غير قادرة على خلق ولاء مستدام لدى العملاء.
رابعًا، حرق الأسعار كاستراتيجية تنافسية. نتيجة لضعف القدرة الشرائية، تصبح المنافسة السعرية (Price Wars) هي الخيار الأسهل والأسرع. ورغم أنَّ خفض الأسعار قد يحقق نجاحًا آنيًّا، إلا أنه غالبًا ما يضر بالسوق على المدى البعيد، لأنه يضعف هامش الربح ويجعل الاستمرار صعبًا في ظل ارتفاع التكاليف التشغيلية.
خامسًا، غياب البعد الاستراتيجي وضعف الخبرة التسويقية. إذ تعتمد إدارة كثير من المشاريع الصغيرة على الاجتهاد الشخصي والتصورات الفردية لأصحابها، بدلًا من بناء خطط تسويقية مدروسة مبنية على بيانات وأبحاث. الهدف منها الربح السريع على المدى القصير، دون التفكير في استمرارية المشروع أو نموه المستقبلي.
وأخيرًا، الطريق نحو نجاح المشاريع الصغيرة في الأردن يبدأ بفهم حقيقي للسوق، مبني على بيانات وتحليل علمي، وليس على المعتقدات الشخصية أو العاطفة تجاه فكرة المشروع. كما يتطلب أيضًا الاستثمار في بناء علامة تجارية قوية، وتبني استراتيجيات تسويقية طويلة الأمد، والابتعاد عن التقليد الأعمى أو سياسة حرق الأسعار كوسيلة وحيدة للمنافسة. بالإضافة إلى الاعتماد على استراتيجيات التسويق الحديثة التي لا يمكن تجاهلها مثل المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، والتسويق بالمحتوى، والإبداع في الإعلان من أجل جذب انتباه الجماهير.