facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




استدعاء معنى العدو .. من ذاكرة التاريخ إلى ما بعد 7 اكتوبر


بيان ناصر النوافله
19-09-2025 07:21 PM

لم يكن 7 أكتوبر 2023 مجرد تاريخ دموي في غزة، بل كان لحظة فاصلة أعادت ترتيب الوعي العربي والخريطة معاً. منذ ذلك اليوم وما تلاه من حرب ممتدة تبدل المزاجان الإقليمي والدولي: علاقة عربية إسرائيلية كانت تُسوَّق طويلاً بعبارات "التهدئة" و"السلام" عادت إلى جوهرها: صراع على الأرض والهوية ضمن معادلة موازين القوى. على الأرض واصلت إسرائيل عمليات الإبادة في غزه وتوغلاتها في الضفة مع مسار متسارع لتبديل الوقائع فيما ارتفعت نبرة التهديد بضم مساحات في الضفة والتضييق الذي يفضي إلى التهجير القسري.

في الموازاة لم يأتِ هذا التحول على مستوى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فقط؛ إذ رافقته عودة صريحة في الخطاب الإسرائيلي إلى فكرة "إعادة رسم الشرق الأوسط" والحديث حول "إسرائيل الكبرى" وفق مقتضيات القوة ونتائج الحرب لا وفق مسارات التسوية التقليدية التي يرعاها السلام العربي الإسرائيلي ومواثيق الأمم المتحدة. هذه اللغة ظهرت بوضوح في نقاشات إسرائيلية وإعلامية تتحدث عن "شرق أوسط جديد" تعاد هندسته بما يخدم التصوّر الأمني والتوسعي وارتبطت كذلك بحلقات قصف وتوسّع إقليميّة، واتهامات للدول المجاورة وصلت إلى حد اتهام مصر بإرسال مسيّرات مسلحة باتجاه إسرائيل، في مؤشر على رغبة تل أبيب بفتح جبهات جديدة وتوسيع دائرة الاتهام والضغط على دول الجوار.

على الجانب الأميركي، ظلت مظلة الدعم العسكري لإسرائيل ثابتة، سياسيا وعملياتيا وتمويليا، منذ الأيام الأولى للحرب، من خطابات الرئاسة وصولا إلى الدعم الكبير بالسلاح والذخائر، ما عزّز شعوراً عربياً بأن موازين القوة لا تزال تُصاغ خارج اعتبارات العدالة والقانون الدولي.

هذا كله أعاد برمجة اللغة في عواصم عربية. ففي سابقة لافتة استخدم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كلمة "عدو" لوصف إسرائيل في القمة العربية الإسلامية التي عقدت مؤخراً في الدوحة، حيث مثّل لفظ الرئيس المصري حينها أول تحول كلامي منذ اتفاقية كامب ديفيد (1979) ما يعكس إدراكاً متزايداً لتهديدات تمس أمن مصر والمنطقة.
وفي الأمم المتحدة، وصف نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الحكومة الإسرائيلية بأنها "كيان مارق" في خطاب ناري لفت انظار الجميع، مديناً الاعتداء على الدوحة ومؤكداً لموقف الأردن في رفض وفضح كافة الانتهاكات الإسرائيلية. هذا الخطاب وإن لم يذكر لفظ "عدو" صراحة فإنه حمل من الوصوف ما يُحيل إلى المعنى ذاته في المعجم السياسي.

أما في فلسطين، فالصورة أكثر صراحة: في الضفة الغربية، تتوالى الإجراءات التي تُقوّض ما تبقى من أوسلو عبر التوسع الاستيطاني، وإضعاف السلطة الفلسطينية مالياً وإدارياً، وتثبيت وقائع ميدانية تجعل من مشروع الضمّ أقرب كثيراً الى التحقق ضمن سياسة التوسع على الأرض دون الشعب، بما يهدد بحلولٍ قسرية جديدة على حساب الوجود الفلسطيني في الضفة.

وتجلّت انعكاسات هذا المناخ المتوتر في الأردن كذلك. فقد شهد معبر الكرامة عملية نفذها مواطن أردني وتبعها إدانة رسمية من وزارة الخارجية الأردنية رافضة "أي عمل خارج عن القانون من شأنه تعريض مصالح الأردن وعملية إيصال المساعدات إلى غزة للخطر". في المقابل، كان صوت الشارع مغايراً أقرب للواقع منه الى لغة السياسة والدبلوماسية الأكثر حذراً، إذ نظر قطاع واسع من الأردنيين إلى العملية بوصفها تعبيراً طبيعياً عن غضب شعبي موجه ضد "العدو" لا ضد الأردن أو استقراره. هذه المفارقة الشكلية بين الموقف الرسمي الحذر والرأي العام الغاضب تكشف أن مصطلح "العدو" لا يزال حياً في الوجدان الشعبي، حتى وان سعى الخطاب السياسي إلى ضبطه أوتأطيره.

من هنا، يصبح الحديث عن "العدو" لا عودةً إلى شعارات الماضي بقدر ما هو استعادةً لمعنى سقط من الذاكرة العامة: نحن أمام مشروعٍ معلن لإعادة تشكيل الإقليم، يتغذّى على تفكك النظام العربي، وعلى انكماش القوة العسكرية المشتركة، وعلى شقوق عمقها الربيع العربي حين تحول في دول عدة إلى صراعات أهلية وتدخلات بالوكالة. وما لم يُستعاد الحد الأدنى من الوعي المشترك، لغة وسياسة وأمناً، فستُفرض خرائط الغد على حساب مصالح العرب، لا بشراكات متوازنة منهم ولا باستشاراتهم.

الأردن يقع في قلب هذه المعادلة: أمنه مرتبط مباشرةً بما يجري في فلسطين جنوباً وغرباً، وبما يتشكل في سوريا شمالاً وشرقاً. إن أي مسار يُفضي إلى وقف التهجير القسري، ووقف الضمّ الزاحف، وتثبيت حق الفلسطينيين في تقرير المصير، هو مصلحة أردنية وقومية، وهو أيضا شرطٌ لاستقرار إقليمي حقيقي لا يقوم على القهر وإملاء الوقائع. تلك هي الخلاصة التي أعادتها حرب ما بعد 7أكتوبر إلى الواجهة - أن تسمية الأشياء بأسمائها: العدو، التهجير، الضمّ، ليست راديكالية لغوية انما البدء في سياسةٍ واقعية تُوازن بين ضرورات الأمن ومقتضيات العدالة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :