في تاريخ الشعوب أوطان تتشابه في الأرض والحدود، غير أنّ قليلًا منها يتفرّد بكرمه وصلابته. والأردن واحد من تلك الأوطان؛ بيتٌ قديم في أصالته، واسع في قلبه، عصيّ على الانكسار.
لقد تربّينا في بيوتٍ إذا طرقتها خائفًا احتضنتك قبل أن تسأل، وإذا طرقتها جائعًا أشبعتك من خيرها، وإذا دخلتها محتاجًا كستك كرامتها قبل ثيابها. غير أنّ الباب ذاته، إذا دنوت منه عدوًا، استحال جدارًا منيعًا لا يترك مجالًا للنجاة.
وهكذا هو الأردن؛ وطنٌ صغير المساحة، عظيم القلب. فعلى أبوابه وجد اللاجئون الأمان، ووجد الفقراء لقمة تحفظ لهم الحياة، ووجد المستجيرون يدًا تمتد قبل السؤال. ولم يكن يومًا وطنًا يساوم على قيمه أو يضيّق على ضيفه، ولكنه لم يكن أيضًا لينًا أمام من يهدّد أمنه أو يطمع في أرضه.
إنه باب لا يُغلق؛ يظل مشرّعًا أمام القادم بسلام، وحارسًا شديدًا أمام العابر بسوء. ومن هنا تنبع فرادته؛ إذ يجمع بين رقة الكرم وقسوة الدفاع، بين الرحمة والصلابة، بين دفء البيت وحصانة الحصن.
لقد أثبت الأردنيون عبر العقود أن معدنهم أصلب من جبالهم. فقد عانوا ضيق الموارد وقلّة الإمكانات، ومع ذلك لم يساوموا يومًا على الكرامة، ولم يسمحوا أن يُهان ضيف أو يُذل مستجير. وفي اللحظة نفسها لم يتركوا مجالًا لعدو أن يتخطّى عتبة بابهم.
إنها معادلة نادرة؛ باب مفتوح للجميع، لكنه لا ينكسر أبدًا. وهذا هو الأردن، باختصار؛ بيتٌ للعرب، حصنٌ لأبنائه، وبابٌ لا يُغلق.
وكما قال أحد الحكماء: "الوطن بيت، وأبوابه ليست خشبًا ولا حديدًا، بل رجال يفتحونها للضيف ويغلقونها في وجه العدو." وهذا هو الأردن؛ بيت الكرامة، وباب الصمود.