facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




فلسفة التحالف والمصلحة


د. بركات النمر العبادي
22-09-2025 11:51 AM

تقوم العلاقة بين الولايات المتحدة من جهة ، وإسرائيل والعرب من جهة أخرى ، على جدلية معقدة تتجاوز حدود السياسة اليومية لتلامس عمق الفلسفة السياسية في معنى "التحالف" و"المصلحة" ، فمنذ منتصف القرن العشرين ، تشكلت معادلة غير متوازنة : إسرائيل شريك استراتيجي ثابت ، والعرب شركاء مصالح عابرة ، هذه الثنائية ليست مجرد انعكاس لسياسات القوة ، بل هي تمظهر لميزان رمزي ومعنوي استطاعت إسرائيل أن تحافظ عليه ، في حين عجز العرب عن بنائه أو تثبيته.

يرى نعوم تشومسكي أن "الدعم الأميركي لإسرائيل ليس مجرد تحالف عسكري ، بل هو امتداد لبنية أيديولوجية ترى في إسرائيل قاعدة متقدمة للمشروع الغربي في الشرق الأوسط" (Chomsky, Fateful Triangle, 1999). هذا يعني أن علاقة واشنطن بتل أبيب ليست قابلة للتفكيك بسهولة ، فهي علاقة تأسيسية أكثر منها تحالفية.

أما مع العرب ، فإن العلاقة تتخذ طابعاً نفعيّاً ؛ حيث النفط وأمن الملاحة والتحكم في التوازنات الإقليمية تشكل مرتكزاتها الأساسية ، يقول صموئيل هنتنغتون في أطروحته عن "صدام الحضارات" إن الغرب ينظر إلى العالم الإسلامي والعربي باعتباره "مصدراً للتهديدات أكثر منه شريكاً في بناء النظام الدولي" (Huntington, The Clash of Civilizations, 1996). وهذا ما يفسر لماذا تبقى الشراكة مع العرب رهينة المصلحة ، غير متجذرة في البنية السياسية الأميركية كما هو حال إسرائيل.

ومع ذلك، يظل التفاوت في النفوذ هو العنصر الأكثر وضوحاً. فإسرائيل وظفت أدوات الضغط الداخلي عبر اللوبيات الفاعلة مثل "أيباك" لتكون صوتها داخل المؤسسة الأميركية ، بينما ظل العرب أسرى انقساماتهم ، يفتقدون إلى خطاب موحد أو لوبي مؤثر قادر على تحويل الثقل الاقتصادي والسياسي إلى نفوذ ملموس (Mearsheimer & Walt, The Israel Lobby, 2007).

الفلسفة العميقة في هذا المشهد تكمن في ما يسميه ميشيل فوكو "علاقات القوة"؛ حيث القوة ليست فقط في السلاح أو المال ، بل في القدرة على إنتاج خطاب وهيمنة معرفية تجعل الطرف الآخر أسيراً لتصورات محددة (Foucault, Power/Knowledge, 1980). وهنا نجحت إسرائيل في صناعة سردية "الديمقراطية المحاصرة" التي تتطلب حماية دائمة ، بينما أخفق العرب في صياغة سردية جامعة تفرض وجودهم في العقل الأميركي.

اليوم، ومع التحولات الإقليمية وتوقيع "اتفاقيات أبراهام" ، يبدو أن بعض الدول العربية تحاول الاقتراب من إسرائيل عبر بوابة واشنطن ، في مفارقة تاريخية تكشف عن عمق الخلل في ميزان القوة. لكن السؤال الجوهري يبقى : هل يمكن للعرب أن يحوّلوا مصالحهم إلى مشروع فلسفي ـ سياسي منظم يوازي التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي؟ أم أنهم سيبقون مجرد أوراق في لعبة أكبر ترسمها المراكز البحثية وصنّاع القرار في البيت الأبيض والكونغرس؟

إن التاريخ يعلّمنا ، كما كتب أرنولد توينبي ، أن "الأمم التي لا تمتلك رؤية كلية لمصيرها ، تصبح وقوداً لمشاريع الآخرين" (Toynbee, A Study of History, 1946). وفي ضوء هذا الدرس ، تبدو علاقة العرب بأميركا مرآةً لغياب المشروع العربي الواحد ، بينما تبدو علاقة إسرائيل بها تجسيداً لعمق المشروع.

إنّ العلاقة بين العرب وإسرائيل وأميركا ليست مجرد توازنات سياسية عابرة ، بل هي تعبير عن فلسفة القوة كما مارسها التاريخ عبر قرونه : من يملك السردية يفرض الواقع ، ومن يملك المشروع يحدد المصير ، العرب ـ رغم ما يملكون من موارد وقدرات ـ ظلوا أسرى التشتت والبراغماتية اللحظية ، فيما استطاعت إسرائيل أن تحوّل هشاشتها الوجودية إلى قوة رمزية ، جعلت من واشنطن حارساً دائماً لحدودها وأحلامها.

إنّ عمق المأساة لا يكمن في انحياز أميركا إلى إسرائيل فقط ، فهذا أمر مفهوم في سياق المصالح والبُنى الفكرية الغربية ، بل في عجز العرب عن صناعة ذاتهم كقوة تاريخية واعية ، فكما يقول هيغل: "الأمم التي لا تملك وعياً بتاريخها محكوم عليها أن تعيش في تاريخ غيرها" ، وهنا تكمن الفجوة : إسرائيل تصوغ حاضرها وتفرض روايتها ، بينما العرب يذوبون في روايات الآخرين.

وعليه ، فإن السؤال الفلسفي الذي يظل مفتوحاً هو : هل يمكن للأمة العربية أن تتحول من موقع "الموضوع" إلى "الفاعل" ، من الهامش إلى المركز ، عبر مشروع جامع يستثمر قوتها الرمزية والاقتصادية والبشرية ؟ أم أنها ستبقى ـ كما وصف توينبي ـ مجرد مادة خام تتشكل بإرادة القوى الكبرى؟ وبهذا المعنى ، فإن العلاقة الثلاثية ليست قدراً أزلياً ، بل هي مرآة تكشف أيّ الأطراف يمتلك إرادة التاريخ وأيّهم يكتفي بدور العابر في مشهد الآخرين.

حمى الله الاردن وسددعلى طريق الخير خطى قيادته وشعبه





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :