الاعتراف بالدولة الفلسطينية
المحامي مهند احمد العتوم
23-09-2025 12:16 PM
ان الاعتراف الدولي المتنامي بالدولة الفلسطينية ليس مجرد خطوة رمزية أو تعبيرًا عن التعاطف السياسي بل يشكل حدثا مفصليا يعيد رسم معادلات الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ويُحدث تحولات متداخلة على المستويات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية الاقليمية والعالمية ، سواء على الفلسطينيين أنفسهم أو على إسرائيل وحكومتها المتطرفة كما يفرض على الولايات المتحدة امر إعادة حساباتها في ضوء هذا التحول التاريخي المتسارع .
ان من شأن هذا الحدث ترسيخ الشرعية الدولية ووضع فلسطين في مصاف الدول ذات السيادة، ويمنحها غطاء قانونيا وأخلاقيا وشرعيا في المحافل الدولية، بما يعزز قدرتها على المطالبة بحقوقها وتثبيت حدودها. بالاضافة الى تعزيز الموقع التفاوضي اذ يتحول الفلسطينيون من موقع الطرف الضعيف الباحث عن اعتراف، إلى كيان سياسي معترف به، قادر على الدخول في أي مفاوضات من موقع أقوى.
وعلى المستوى الاقتصادي فان من شأن هذا الاعتراف فتح آفاق اقتصادية أوسع و يفتح قنوات الاستثمار والمساعدات المباشرة بعيدا عن القيود الإسرائيلية، ويمنح فلسطين فرصة للانخراط في المنظمات الاقتصادية العالمية. اضافة الى انه يضع الارضية الصلبة لتماسك وطني واجتماعي ويرفع افاق الامل والثقة بالمستقبل ويعزز الانتماء الوطني مما يقلص من فرص الانقسام الداخلي ويدعم الصمود والاستقرار الاجتماعي.
اما تداعيات هذا على إسرائيل وحكومتها المتطرفة فانه يؤدي الى تفاقم العزلة الدولية و يضع إسرائيل في خانة الدولة المتمردة على الشرعية الدولية، ويُعرّي خطابها الذي طالما قدمت من خلاله نفسها كضحية و كالدولة الديمقراطية الوحيدة" في المنطقة وينعكس على تراجع قدرة اسرائيل على المناورة اذا لم يعد بالإمكان تصوير الفلسطينيين كـ "جماعات بلا دولة" بل ككيان سياسي مكتمل الاعتراف ما يقيد أدوات إسرائيل الدعائية والسياسية. وقد يعمق الانقسام في الداخل الإسرائيلي بين تيارات متشددة متغطرسة ومتمسكة بالاحتلال وأخرى ترى أن كلفة الاستمرار فيه لم تعد مقبولة. من جانب آخر فان عدم امتثال اسرائيل لهذه الاعترافات الدولية وخاصة الأوروبية قد يكون له تداعيات اقتصادية جدية عليها ويفتح الباب لفرض عقوبات او محددات اوقيود اقتصادية تجاهها اذ ان حجم التداول والتبادل التجاري السنوي بين اسرائيل واوروبا يبلغ 70 مليار دولار امريكي . كما انه قد يفرض قيود على مسألة بيع الاسلحة الى اسرائيل . كما انه يعري الرواية الإسرائيلية والخطاب القائم على "الأمن" و "مكافحة الإرهاب" ويفقده وجاهته أمام العالم، ويرسخ الرواية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرر وحقوق إنسان.
اما بالنسبة الى الولايات المتحدة الأمريكية فان هذا الاعتراف يشكل مأزق دبلوماسي اذ ان واشنطن تجد نفسها يوما بعد يوم في موقع الدولة المنحازة وضاربة بعرض الحائط كل المواثيق الدولية ومباديء الديموقراطية وحقوق الانسان التي طالما تبنتها كخطاب سياسي عالمي ويقضي على مصداقيتها كوسيط نزيه في عملية السلام. كما يؤدي تأكل النفوذ السياسي العالمي لواشنطن ويحد من قدرة الولايات المتحدة على فرض رؤيتها منفردة، ويفتح الباب أمام قوى أخرى كالصين وروسيا لتوسيع نفوذها في المنطقة. كما انه يشكل ضغوط سياسية داخلية على الساحة الأمريكية، حيث تتسع الهوة بين المواقف التقليدية الداعمة لإسرائيل وبين تيارات شبابية وليبرالية داخل الحزب الديمقراطي تميل إلى تبني خطاب أكثر توازنا وان تعارض الموقف الأمريكي مع مواقف الحلفاء الأوروبيين والعرب سيؤدي الى إشكالية مع الحلفاء يضعف قدرة واشنطن على صياغة تحالفات موثوقة ومتماسكة في الشرق الأوسط.
اما بالنسبة الى الآثار والتداعيات الإقليمية والدولية فان من شأن هذا ان يؤدي الى إعادة الاعتبار للمبادرات العربية ويؤدي الى تقييد مسار التطبيع اذ ان تزايد عزلة إسرائيل قد يدفع دولا كانت مترددة في التطبيع إلى التراجع أو إلى فرض شروط سياسية أكثر تشددًا وتحولا في طبيعة الصراع من كونه نزاعا داخليًا أو إنسانيًا إلى قضية تحرر وحق تقرير مصير معترف به على نطاق عالمي.