القانون الدولي بين غزة وأوكرانيا
د. بركات النمر العبادي
24-09-2025 10:43 AM
*حين تُرسم الشرعية على مقاس القوة
منذ تأسيس الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ، ارتكز النظام الدولي على مبدأ أساسي: عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة، غير أن الأحداث في العقدين الأخيرين، ولا سيما في غزة وأوكرانيا ، كشفت أن هذا المبدأ بات يخضع لانتقائية حادة ، حيث تحدد هوية الفاعل ومصالح القوى الكبرى حجم رد الفعل الدولي ، أكثر من حجم الانتهاك نفسه.
غزة: ضم على وقع الإبادة وحماية الحلفاء
في عامي 2024–2025، طرح اليمين الإسرائيلي مشروع ضم غزة كخطة لتصفية حكم حركة حماس وفرض واقع أمني وجغرافي جديد.
•السياق الميداني: عمليات عسكرية واسعة ، اتهامات بالإبادة الجماعية ، تجويع متعمد، واستهداف مدنيين.
•الموقف الدولي : الولايات المتحدة وحلفاء غربيون وفّروا غطاءً دبلوماسيًا عبر الفيتو في مجلس الأمن ، ودعمًا عسكريًا ولوجستيًا يمنع أي مساءلة جدية لاسرائيل .
•النتيجة: شرعنة الضم بحكم الأمر الواقع ، مع غياب عقوبات أو إجراءات رادعة.
أوكرانيا: ضم بالقوة ومواجهة العقوبات
في 2014، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، ثم أعلنت في 2022 ضم أربع مناطق أوكرانية أخرى.
•السياق الميداني: عمليات عسكرية واسعة النطاق ، استفتاءات مرفوضة دوليًا ، سيطرة ميدانية على أراضٍ أوكرانية.
•الموقف الدولي: ا لولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قادوا حملة عقوبات اقتصادية غير مسبوقة ضد روسيا ، مع دعم عسكري وسياسي كبير لأوكرانيا.
•النتيجة: عزل سياسي نسبي لموسكو، وضغط اقتصادي مستمر، واعتبار الضم باطلًا من قبل أغلبية المجتمع الدولي.
اوجه الشبه الجوهرية
1.فرض وقائع ميدانية بالقوة: إسرائيل وروسيا اعتمدتا على السيطرة العسكرية لتغيير الحدود.
2.شلل مجلس الأمن: الفيتو الأمريكي لصالح إسرائيل، والفيتو الروسي لصالح موسكو، عطّلا أي قرار ملزم.
3.تآكل هيبة القانون الدولي: في الحالتين، المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة تم تجاوزها دون قدرة على الإنفاذ.
الاختلافات الحاسمة
1.التحالفات الدولية: إسرائيل تحظى بدعم أمريكي وغربي مباشر، بينما روسيا تواجه معارضة غربية ودعم من قوى غير غربية مثل الصين وإيران.
2.أدوات الردع: عقوبات قاسية ضد روسيا ، مقابل غياب أي عقوبات فعالة ضد إسرائيل.
3.السردية الإعلامية: الغرب يصور ضم روسيا كجريمة عدوان ، بينما يقدم ضم إسرائيل كمسألة "أمنية" أو "دفاعية".
المقارنة بين غزة وأوكرانيا تكشف أن القانون الدولي لم يعد مرجعًا ثابتًا ، بل أداة سياسية تُستخدم حين تخدم مصالح القوى الكبرى وتُهمَل حين تتعارض معها. في الحالتين، الأرض تُضم بالقوة ، لكن رد الفعل الدولي يتباين جذريًا تبعًا لطبيعة التحالفات وموازين القوى.
إذا استمر هذا النهج ، فإننا قد ندخل مرحلة تاريخية جديدة تُدار فيها العلاقات الدولية وفق ميزان القوة لا ميزان العدالة ، ويصبح القانون الدولي نصًا بلا نفاذ، ينتظر فقط من يُقرر تفعيله أو تجاهله.
اللهم انك تسمع وترى فغير حالنا الى حال افضل.