قراءة في منطلقات حزب المحافظين الاردني للمرحلة المقبلة
د. بركات النمر العبادي
27-09-2025 12:19 PM
* قراءة في منطلقات حزب المحافظين الاردني للمرحلة المقبلة في بيان البلقاء الصادر في السابع عشر من ايلول عام الفين وخمسة وعشرون ميلادية
الجزء الثاني:
إنّ حزب المحافظين الأردني ، وهو يقرأ في كتاب المرحلة ويستنطق وقائعها ، يرى أنّ التهجير القسري الذي يُدبَّر للشعب الفلسطيني ليس مجرد جريمة حرب تُصنّف في دفاتر القانون الدولي ، بل هو محاولة لاقتلاع الذاكرة من أرضها ، وتشريد الروح عن موطنها ، وكسر علاقة الإنسان بالتاريخ ، ولقد علّمنا هذا الشعب الباسل أن الأرض ليست تراباً وحجارة فحسب ، بل هي هوية ودم وانتماء ، ومن يفرّط فيها إنما يفرّط بوجوده نفسه.
وإنّ أيّ مشروع لإعادة إنتاج الاحتلال بصورته الناعمة أو الصارخة ، لن يورث المنطقة إلا حرائق متواصلة ، تحيل الشرق الأوسط إلى برميل بارود يترقب الشرارة ، ذلك أن الفعل العدواني – مهما تجمّل بالشعارات – لا يحصد سوى ما زرع : خوفاً ، وفتناً ، وانفجارات غضبٍ لا تهدأ.
ومن هنا، فإنّ استدعاء قيم التضحية والصمود ليس مجرد ترفٍ خطابي ، بل هو سياج الوعي ، وحارس الهوية ، ومقدّمة لبناء وطنٍ أكثر صلابة في وجه العواصف ، وكما يتكامل الجسد بحراسة القلب والعقل معاً ، فإنّ الوطن يتكامل بتماسك جيشه العربي وأجهزته الأمنية مع سائر قواه الشعبية ، في معادلة صمود لا تنكسر.
إنّ ما يواجهه وطننا وأمّتنا ليس عابراً في الزمن ولا طارئاً على التاريخ ؛ بل هو فصل جديد من صراع قديم ، بين من يختزل الوجود في حدود القوّة والهيمنة ، ومن يؤمن بأنّ الوجود الحقيقي لا يُقاس إلا بقدر ما تصان فيه الكرامة ، وتُحفظ فيه العدالة ، ويُصاغ فيه المعنى الإنساني الأرحب.
ولذلك فإنّ التحديات الجسيمة التي تعترض مسيرتنا ليست قدراً مُظلماً، بل امتحانٌ لإرادة الأمة في أن ترتقي فوق الجراح ، وأن تحوّل آلامها إلى طاقة بناء ، وغضبها إلى مشروع وعي، وخساراتها إلى دروس تفتح أبواب المستقبل ، فالمحن الكبرى إنما تكشف المعادن الأصيلة ، وتصوغ روح الشعوب على هيئة أكثر صلابة ونقاء.
إنّ الدفاع عن الأرض ليس مجرد حماية جغرافيا ، بل هو دفاع عن التاريخ كي لا يُزوّر ، وعن الذاكرة كي لا تُمحى ، وعن المعنى كي لا يتحوّل الوجود العربي إلى هامش في كتاب الآخرين ، ومن هنا فإنّ اللحمة الوطنية الصادقة ، إذا ما تجرّدت من شوائب الانتهازية وأوهام المصالح الضيقة ، قادرة أن تعيد صياغة المشهد برمّته ؛ لتجعل من كل أزمةٍ فرصةً ، ومن كل تهديدٍ حافزاً ، ومن كل مأساةٍ نواةً لأملٍ جديد.
وهكذا، يتكامل الوعي مع الفعل ، وتتآزر الروح مع الإرادة ، ويصبح الوطن – بما هو أرض ورسالة ومصير – مشروعاً متصلاً في الزمان ، لا ينكسر أمام عواصف الغزاة ، ولا ينطفئ تحت رماد الفتن ، بل ينهض دائماً كالفجر : كلما حسبه الليل أسيراً، أشرق من جديد.
حمى الله الاردن وسددعلى طريق الخير خطى قيادته وشعبه