هل ما زال في جعبة حماس ما تفاوض به بعد اليوم؟!
محمود الدباس - أبو الليث
04-10-2025 09:11 AM
لم تمض ساعات على إعلان حركة حماس ردها على مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب.. حتى سارع الأخير إلى نشر البيان على صفحته مهللاً ومعلناً.. أن الحركة وافقت على خطته.. وكأن الرجل كان ينتظر مجرد ثغرة في النص.. ليحوّلها إلى موافقة كاملة.. وهذا ليس غريباً على الدبلوماسية الأميركية.. التي تتقن لعبة صناعة الروايات.. وتحويل الإشارات الجزئية.. إلى موافقات كلية..
في ظاهر الرد الذي قدّمته حماس.. بنود إنسانية من قبيل وقف الحرب.. تبادل الأسرى.. دخول المساعدات.. رفض التهجير.. لكن في عمقه.. يمكن قراءة تنازل عن إحدى أهم الأوراق التفاوضية.. وهي ملف الأسرى.. فهذا الملف لم يكن مجرد ورقة ضغط سياسية فحسب.. بل كان درعاً معنوياً وعسكرياً.. يحفظ للحركة وزنها في أي مفاوضات.. وما أن يُطوى هذا الملف.. حتى يبقى السلاح وحده في الواجهة.. وهو الهدف الذي يتطلع إليه الكيان الإسرائيلي منذ سنوات..
الخطوة التي رآها ترمب (موافقة).. ليست نهاية الحرب.. بقدر ما هي بداية مرحلة جديدة.. فالمخطط واضح.. استدراج تدريجي للحركة.. من خلال ملفات إنسانية تبدو غير قابلة للرفض.. ثم البناء على أي قبول جزئي.. وتسويقه عالمياً.. باعتباره قبولاً كاملاً.. لتُفتح بعدها ملفات أخطر.. كإدارة القطاع عبر هيئة تكنوقراط وطنية.. بغطاء عربي ودولي.. وهو ما قد يُسوق على أنه شراكة فلسطينية.. بينما هو في الحقيقة بداية إقصاء هادئ لحماس عن الحكم..
في الأيام القادمة يمكن استشراف عدة مسارات.. أولها.. رد الفعل الشعبي في غزة.. فالجماهير المنهكة من الحرب.. قد ترى في هذه الخطوات بارقة أمل.. وتلتقطها باعتبارها طريقاً للنجاة.. وهذا سيخفف الضغط عن القيادة مؤقتاً.. لكنه قد يُفقدها صلابة الموقف الشعبي.. إذا ظهر أن التنازلات تتزايد تدريجياً.. ثانيها.. مسار التفاوض بملف الأسرى الذي سيُفتح عاجلاً.. وسيُدفع به إلى الواجهة.. كقضية إنسانية لا تحتمل التأجيل.. ومع إغلاق هذا الملف.. تفقد الحركة أحد أهم مفاتيح القوة.. ثالثها.. المستقبل القريب.. والذي سيحمل ضغطاً دولياً متزايداً.. لفتح ملفات السلاح.. وترتيبات الحكم.. وهذه ستكون لحظة مفصلية.. إما لواقعية سياسية تُفضي إلى استسلام مقنّع.. أو لعودة إلى الميدان بشكل أكثر عنفاً وقسوة..
وعلينا ان نبقى متيقظين.. فالدهاء الغربي مكشوف.. والكيان الإسرائيلي أكثر مَن يُجيد استثمار الثغرات.. وتحويل التكتيك إلى استراتيجية.. ولذلك.. فإن الواجب على قيادة المقاومة اليوم.. أن تقرأ المشهد بعيون يقظة.. لا أن تنخدع بمظاهر إنسانية عابرة.. قد تجرّ إلى تنازلات أكبر.. فالمقاومة لا تزال تمثل روح الشعب الفلسطيني وكرامته.. وأي تفريط ممنوع أن يُسجَّل عليها.. مهما كانت الظروف..
فالتاريخ لا يرحم.. وأي خطوة اليوم.. سواء بالقبول الجزئي.. أو التراجع عن الملفات الحساسة.. ستترك آثارها لعقود.. على حماس.. على غزة.. وعلى المشروع الفلسطيني بأسره.. لهذا يجب أن تكون كل تحركات القيادة مدروسة بدقة.. وأن يكون الشعب الفلسطيني جزءاً من أي معادلة.. لأن الغفلة.. أو المراوغة.. قد تُحوّل ما هو إنساني عاجل.. إلى خسارة استراتيجية كاملة..