من الاستقرار إلى النمو: الاقتصاد الأردني عند نقطة تحول
د. حمد الكساسبة
04-10-2025 11:08 AM
في الربع الثالث من هذا العام، بدا المشهد الاقتصادي أكثر استقرارًا مما كان عليه في الفصول السابقة. فقد تباطأت وتيرة التضخم إلى مستويات مريحة نسبيًا، فيما واصلت الاحتياطيات الأجنبية ارتفاعها لتؤمن غطاءً مطمئنًا للعملة المحلية والاحتياجات التمويلية. أما معدل النمو الاقتصادي، فقد سجل 2.8% في الربع الثاني، وهو ما ينسجم مع التقديرات المحدثة ويعكس قدرة الاقتصاد على الحفاظ على وتيرة إيجابية رغم التحديات.
ويُعَد هذا الاستقرار المالي والنقدي قاعدة أساسية، إلا أن المرحلة المقبلة تتطلب تعزيزه بنمو أكثر شمولًا. فمعدل البطالة ما يزال مرتفعًا، وهو ما يعني أن التوازن القائم بحاجة إلى أن يترجم إلى فرص عمل إضافية تفتح آفاقًا أوسع أمام الشباب وتزيد من ديناميكية الاقتصاد.
أما المالية العامة فما تزال تواجه تحديًا يتمثل في مستوى الدين العام الذي يقترب من 118% من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم استمرار الجهود في ضبط العجز وتحسين كفاءة الإدارة المالية، فإن المرحلة المقبلة تستدعي تبني خيارات أوسع وأكثر ابتكارًا، مثل التوسع في مبادلة الديون بمشاريع تنموية، أو استقطاب استثمارات نوعية يمكن أن تسهم في تخفيف الأعباء المالية وتعزيز النمو في آن واحد.
وعند المقارنة إقليميًا، نجد أن الأردن يشترك مع دول مثل مصر وتونس والمغرب في ارتفاع نسب الدين وضغوط المالية العامة، غير أن معدلات البطالة في الأردن تعد الأعلى بين هذه الدول، ما يضع تحديًا إضافيًا أمام السياسات الاقتصادية لتسريع وتيرة الإصلاحات التي تترجم النمو إلى فرص عمل ملموسة.
وفي ميدان الاستثمار، ورغم الخطوات التي جرى اتخاذها على مستوى التشريعات والبيئة المؤسسية، فإن الحاجة ما تزال قائمة لتوسيع قاعدة المشاريع المستقبلية بما يفتح آفاقًا جديدة للنمو على المدى البعيد. وفي الوقت نفسه، فإن تسريع وتيرة إنجاز المشاريع الاستراتيجية قيد التنفيذ يعد أمرًا حيويًا، لما لها من أثر مباشر في تحفيز النشاط الاقتصادي وتعزيز الثقة الاستثمارية.
أما على صعيد التجارة الخارجية، فما تزال الواردات تفوق الصادرات، غير أن قطاعات حيوية مثل السياحة والتحويلات الخارجية ساعدت في التخفيف من هذا الفارق. ومن شأن تعزيز التنويع في الصادرات وربط الاقتصاد بمزيد من الأسواق الإقليمية والدولية أن يعزز من مرونة الأداء الاقتصادي.
وفي الأفق، يبرز الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الرقمي كمسارين رئيسيين لمرحلة التحول المقبلة. فالتوسع في الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة يمكن أن يسهم في تقليل التبعية للموارد المستوردة، بينما يتيح الاقتصاد الرقمي فرصًا واسعة للشباب من خلال الابتكار والتقنيات الحديثة. وهذه مسارات قادرة على إحداث نقلة نوعية إذا ما جرى الاستثمار فيها بشكل متوازن.
ويظل العنصر البشري أساس هذه المسيرة. فالشباب يمثلون الغالبية، وتمكينهم بالمهارات الحديثة وتوفير فرص العمل النوعية لهم ليس خيارًا اقتصاديًا فحسب، بل ضمانة لاستقرار اجتماعي طويل الأمد. كما أن تعزيز التكامل الإقليمي يمكن أن يفتح أسواقًا أوسع ويوفر فرصًا إضافية للنمو المشترك.
وفي الختام، يقف الاقتصاد الأردني عند نقطة تحول حقيقية: فقد تحقق الاستقرار بدرجة ملحوظة، غير أن الاستقرار وحده لا يكفي.
المطلوب اليوم هو البناء عليه للوصول إلى نمو أكثر شمولًا واستدامة، يترجم إلى فرص عمل واسعة، ويزيد من قدرة الاقتصاد على المنافسة إقليميًا ودوليًا. والنمو الحالي الذي يتجاوز معدل النمو السكاني يشير إلى تحسن نسبي في مستوى المعيشة، لكن التحدي الأساسي يبقى في رفع وتيرة هذا النمو ليمنح التنمية طابعها الشامل والمستقبلي، ويجعل من الاستقرار نقطة انطلاق نحو مرحلة أوسع من الازدهار.