خطاب اللايكات .. حين يصبح القلم أسيراً للتصفيق
محمود الدباس - أبو الليث
05-10-2025 12:26 PM
أصبحنا نعيش في زمنٍ.. صار فيه كل هاتف نافذة.. وكل إصبع منصة.. وكل إعجاب شهادة زور.. أو تصديق.. لم يعد سهلاً.. أن تفرّق بين الكاتب الذي يحمل همّ الوعي.. وبين الذي يركض خلف بريق الإعجاب.. يكتب ما يريد الناس سماعه.. لا ما يحتاجون أن يعرفوه.. يطهو لهم وجبات سريعة من الكلمات.. فيشبع جوع اللحظة.. لكنه يترك العقول خاوية..
فالكتابة ليست مجرد حروفٍ متراصة.. إنها أمانة في عنق صاحبها.. ومسؤولية أمام الله.. وأمام التاريخ.. الكاتب الحق.. لا يكتب ليُصفّق له الناس.. بل يكتب ليضع إصبعه على الجرح.. حتى وإن آلمهم ذلك.. لأنه يعرف.. أن الكلمة التي تجرح اليوم.. قد تُنقذ غداً..
أما خطاب اللايكات.. فهو نوع من المخدرات.. جرعة سريعة.. تخدر المشاعر.. وتغيب العقول.. تمنح الكاتب شعوراً زائفاً بالقوة.. فيعود ليطلب المزيد.. حتى يصبح أسيراً لخيارات القطيع.. يكتب ما يريدون.. ويكرر ما يعجبهم.. وينسى أن القلم إن لم يكن حراً.. فلن يكون أبداً صادقاً..
إن الكاتب الواعي.. يدرك أن دوره ليس في إرضاء الجماهير.. بل في تحدي قناعاتهم السطحية.. يهز قناعاتهم الراسخة.. إذا كانت خاطئة.. ويفتح لهم نوافذ على ما لم يروا بعد.. قد لا ينال التصفيق.. لكنه يحصد ما هو أعظم.. يحصد عقولاً تفيق.. ووعياً يتراكم.. وضميراً لا يخون..
أما أولئك الذين يحكمون أقلامهم وفق البورصة اليومية للإعجابات.. فهم يبيعون أنفسهم بأبخس الأثمان.. وما أعجب الجماهير اليوم.. قد تسخر منه غداً.. ومَن صفّق لك اليوم.. قد يرجمك غداً.. لأنك لم تعد تكتب بما يشتهي.. هذا إذا أفقت ورجعت للصواب..
لقد صرنا في زمنٍ.. يمكن أن يحظى فيه منشور سخيف بمئات الآلاف من اللايكات.. بينما مقال عميق يمر كغريب.. لأن العمق لا يغازل العواطف.. بل يصطدم بالعقول.. وهذا جوهر الفارق بين مَن يكتب ليبني وعياً.. ومَن يكتب ليبني رصيداً من الوهم..
فاحذر أيها الكاتب.. أن تضع نفسك في قفص التصفيق.. فإن أسرك اللايك.. فلن يحررك إلا الوعي.. والوعي لا يسكن إلا في قلمٍ.. يعرف أن الحقيقة أثمن من الهتاف.. وأن الكلمة التي لا توقظ العقل.. ليست سوى صدى عابر في جدار الزمن..