اتفاقية وقف الحرب في قطاع غزة ومآلات المستقبل
د. ايهاب عمرو
11-10-2025 10:49 AM
بعد فترة ترقب طويلة، وبعد مفاوضات حثيثة، وجهود كبيرة من قبل الوسطاء العرب خاصة قطر الشقيقة، وجولات مكوكية للوسيط الأميركي، تم الإعلان مؤخراً عن اتفاقية وقف الحرب في قطاع غزة المكلوم ما قد يساهم في وقف شلال الدم النازف في قطاع غزة الحبيب منذ عامين أو يزيد.
ولعلّ المراقب الحصيف يلاحظ أن الحرب لم تكن لتتوقف خلال العامين الماضيين ليس فقط بسبب عدم التزام الطرف الآخر بعدم استئناف الحرب بعد انتهاء مدة الستين يوماً المقترحة في الاتفاقية السابقة مع عدم قدرة الوسطاء الدوليين على ضمان عدم قيامه بذلك، وإنما أيضاً لأسباب داخلية لديه ذات علاقة بالمحافظة على الائتلاف اليميني الحاكم لأطول فترة ممكنة ما يضمن عدم انعقاد الانتخابات قبل موعدها المقرر العام القادم، وحاجة رئيس الوزراء لديه إلى إبراز إنجازات خارجية تعزز من موقفه أثناء جلسات المحاكمة بشأن التهم المسندة إليه، خاصة مع دخول إجراءات المحاكمة تلك مرحلة حرجة تشتمل على الاستجواب المضاد من قبل النيابة العامة، بعد أن انتهت جلسات الاستماع للشهود. إضافة إلى استخدام تلك الحرب كذريعة لإحكام السيطرة على الضفة الغربية، وتعزيز الاستيطان فيها وترحيل سكانها من أماكن سكناهم، تمهيداً لتهجيرهم متى سنحت الفرصة لتحقيق ذلك. ناهيك عن رغبته في إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط ورسم معادلات جيوسياسية وجيوستراتيجية جديدة لفرض نفسه كقوة مهيمنة على منطقة الشرق الأوسط. إضافة إلى محو أي تهديد مؤقت أو وجودي ما قد يضمن بقاء دولته لأطول فترة ممكنة. وذلك كله يعني، إضافة إلى أسباب موضوعية أخرى، أن الحالة الفلسطينية عادت إلى الوراء إلى ما قبل اتفاقية أوسلو، أي ثلاثين عاماً أو يزيد، لأسباب لا أود الخوض فيها بتفصيل درءاً للمفاسد، خاصة في تلك المرحلة الحرجة التي يمر فيها الشعب الفلسطيني في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس، والتي تمر فيها القضية الوطنية عموماً.
وأياً كان الأمر، فإن تلك الاتفاقية، كما سابقتها، تناولت مسائل أولية، على أهميتها، مثل ضمان إدخال المساعدات إلى قطاع غزة الذي وصلت الحالة المزرية للناس فيه حد المجاعة وفقاً للتقارير الصادرة عن بعض الجهات الأممية والمؤسسات الحقوقية الدولية، وانسحاب الطرف الآخر من أماكن معينة في قطاع غزة. إضافة إلى الاتفاق على آلية معينة للإفراج عن عدد متفق عليه من الأسرى من كلا الجانبين، ما يعني أن الاتفاقية الحالية، كسابقتها، لم تتناول أياً من القضايا الجوهرية كالقدس، واللاجئين، والحدود، والمياه، والطاقة وغيرها، وهو ما يشكّل انعكاساً لموازين القوى.
ولا يخفى على أحد استغلال الطرف الآخر لتلك الحرب، من منظور سياسي، من أجل القضاء على فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة بأركانها المعروفة في القانون الدولي (الشعب، والإقليم، والسلطة ذات السيادة)، خاصة بعد توالي الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل دول غربية عديدة في العالم. إضافة إلى تحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى ليس أقلها إعادة ترتيب المنطقة من منظور جيوسياسي وجيوستراتيجي، ما يشمل توسيع رقعة الاتفاقات الأبراهامية، وإعادة الشعب الفلسطيني المكلوم في قطاع غزة الحبيب مئة عام إلى الوراء وجعله مكان غير صالح للسكن، وتجهيل أبناء وبنات قطاع غزة الحبيب المشهود لهم بحب العلم والتعلم، خاصة أن الإمام الشافعي رحمه الله ولد هناك، والاستفراد بالضفة الغربية وتعزيز الاستيطان فيها تمهيداً لضمها وتهجير سكانها متى سنحت الفرصة، كما أسلفنا.
خلاصة القول: الطرف الآخر هو المستفيد من وراء إطالة أمد الحرب التي قضت على البشر والشجر والحجر في قطاع غزة الحبيب الذي أصبح أثراً بعد عين. ويتعين على الأطراف الفلسطينية الفاعلة إجراء دراسة موضوعية للآثار الكارثية الناشئة مراعاة لمصالح الشعب الفلسطيني الوطنية العليا، وهو ما يستوجب إنهاء الانقسام البغيض والالتفاف حول المشروع الوطني تمهيداً لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي قد تفضي في محصلتها، حسب تقديري المتواضع، إلى انتقال تجربة الحكم في قطاع غزة إلى الضفة الغربية نتيجة تعاطف المواطنين و المواطنات في الضفة الغربية مع قطاع غزة من جانب، وعدم قدرة المواطنين والمواطنات في قطاع غزة على ممارسة حقهم في الانتخاب بسبب الأوضاع المأساوية التي يعيشونها في الوقت الراهن. وقد يؤدي ذلك، حال حدوثه، إلى منح الطرف الآخر الفرصة والذريعة لضم الضفة الغربية وتهجير سكانها.