القلعة لا تُحمى بالحجر .. بل بعدالةٍ تبني الثقة
محمود الدباس - أبو الليث
11-10-2025 12:31 PM
حين يغيب العدل.. تتهاوى القلاع مهما علت أسوارها.. فالثقة ليست منحةً تُمنح.. بل ثمرةُ عدالةٍ تُزرع في القلوب..
علينا أن نعي تماماً.. بأن ما يحدث اليوم في كثير من البلدان.. ليس في جوهره أزمة اقتصادية.. أو اجتماعية فقط.. بل هو اختبار عميق.. لمدى تماس قلب الدولة مع نبض الناس..
فحين تنفصل القلعة عن قلوب أبنائها.. تفقد صلابتها بلا محالة.. ولو كانت من حجر صلب.. فالشعوب لا تُقاس بدرجة صبرها على الألم.. بل بمدى إيمانها.. بأن صوتها مسموع.. وأن تعبها مفهوم..
فالمشكلة كثيراً ما تكون.. ليست في شح الموارد.. بقدر ما هي في سوء توزيعها.. ولا في قلة الفرص.. بقدر ما هي في احتكارها.. وهنا تتقدم العدالة.. لتكون المحور الذي يدور حوله كل شيء.. فحين يغيب العدل.. تتراجع الثقة.. وحين ينصف الناس بعضهم بعضاً.. تنبت في القلوب جذور الأمان.. فما من قلعةٍ قامت.. إلا على عدلٍ يحميها قبل الجدران.. وما من دولةٍ ضعفت.. إلا حين ضاقت العدالة في صدور أهلها..
وعندما يشعر المواطن.. أن جهده يُثمر.. وأن كرامته مصانة.. يصبح هو أول حارسٍ للقلعة.. أما حين يُستبدل الوعي بالولاء الأعمى.. يصبح الصمت أخطر من الكلام.. والسكوت بداية الشرخ..
لذلك المطلوب اليوم.. ليس خطاب طمأنة.. بل مشروع ثقةٍ وعدالةٍ معاً.. فالثقة بلا عدالةٍ.. كجدارٍ بلا أساس.. والعدالة بلا ثقةٍ.. كقانونٍ بلا روح.. فكلاهما معاً.. هما السور الحقيقي لأي قلعةٍ تريد البقاء..
فما يُبقي القلاع شامخةً.. ليس صلابة حجارتها.. ولا بنائها الأنيق.. بل صدق من يسكنها.. ولا يُسقط علم الدولة من فوق أسوار قلعتها.. إلا حين يتهاوى العدل في عيون أهلها.. وتنهار الثقة فيما بينهم.. ويصبح السقوط مسموعاً قبل أن يقع..