ترامب وإسرائيل .. من صفقة القرن إلى صفقة السيطرة
صالح الشرّاب العبادي
14-10-2025 10:11 AM
في السياسة، لا تُقاس التحالفات بالشعارات، بل بالنتائج على الأرض. واليوم، وبعد إعلان خطة ترامب رسميًا، يتضح أكثر أن دونالد ترامب لم يكن رئيسًا عابرًا في البيت الأبيض، بل مهندسًا لأوسع عملية “شرعنة” للمشروع الصهيوني منذ قيام الدولة العبرية.
ففي خطابه أمام الكنيست، عدّد بنيامين نتنياهو ما سماه “إنجازات ترامب التاريخية لإسرائيل”، وهي في جوهرها مفاتيح السيادة والجغرافيا والشرعية: الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، نقل السفارة الأميركية إلى قلبها، منح الجولان المحتل هبة سيادية لتل أبيب، والتغاضي عن التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية حتى تلاشت ملامح الدولة الفلسطينية من الخريطة.
لكن الأخطر أن ترامب لم يكتفِ بتثبيت هذه الوقائع، بل أطلق خطابًا جديدًا ينسف فكرة “حلّ الدولتين”، حين قال إن إسرائيل دولة صغيرة محاطة بالأعداء وتحتاج إلى “توسع استراتيجي” لتأمين نفسها ، تلك الجملة كانت كفيلة بفتح شهية اليمين الإسرائيلي لابتلاع ما تبقّى من الأرض تحت شعار الأمن القومي.
وهكذا تحوّلت “صفقة القرن” إلى ما يمكن تسميته ، صفقة السيطرة ، السيطرة على الأرض والقرار والوعي. فترامب لم يمنح إسرائيل دعمًا سياسيًا فحسب، بل أعاد تعريف فلسفة الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، ليغدو الدور الأميركي أداة لإعادة هندسة المنطقة على مقاس التفوق الإسرائيلي.
لقد قدّم ترامب لإسرائيل ما لم يجرؤ أي رئيس أميركي قبله على منحه: غطاءً دوليًا لتجاوز القانون الدولي، وشرعية لاستمرار الاحتلال، وسلاحًا مفتوحًا لضرب سوريا ولبنان وإيران دون مساءلة. بل وصل به الأمر إلى تهديد بعض الدول العربية حين حاولت موازنة مواقفها في الملف الفلسطيني.
على المستوى الشخصي، منح ترامب نتنياهو وزمرته صكوك غفران دولية وداخلية على جرائمه وفساده ، ومنحه شبكة امان امام المحاكم الدولية والمحاكم الإسرائيلية، ليظهر وكانه مُنزه من كل ما اقترف وفعل ..وقد تعدى ذلك ليعيد اسرائيل إلى وضعها السابق بعد العزلة العظمى التي أحاطت بها .
وجاءت خطة غزة الموقّعة في شرم الشيخ تتويجًا لهذا النهج: اتفاق يُجمّل الهيمنة الإسرائيلية ويُغلفها بعبارات إنسانية، مانحًا تل أبيب سيطرة غير مباشرة على الأمن والمعابر والإعمار تحت عنوان “السلام الدائم”. لكن خلف هذا الغلاف، تكمن الحقيقة الأعمق: واشنطن لم تعد وسيطًا بين طرفين، بل طرفًا مباشرًا في المعادلة.
إن ما فعله ترامب لم يكتب نهاية الحرب، بل دشّن مرحلة جديدة من “السلام المفروض بالقوة”، حيث يُعاد تشكيل الوعي العربي على قاعدة “الواقعية السياسية” لا “الحقوق التاريخية”. فالعواصم العربية اليوم أمام خيارين: القبول بالواقع الذي فرضته الحرب، أو رفضه دون امتلاك أدوات التغيير.
الشرق الأوسط يقف اليوم على أعتاب إعادة إنتاج ثالثة بعد “سايكس–بيكو” و”أوسلو”، عنوانها “السلام مقابل السيطرة”. وإسرائيل التي خرجت من حرب غزة مثخنة بالاتهامات وجدت في هذه الخطة غطاءً لإعادة التموضع دون ثمن سياسي أو أخلاقي.
لكن التاريخ لا يرحم الهيمنة مهما تزخرفت بخطابات السلام ، فما يُفرض بالقوة لا يدوم إلا حتى تستعيد الشعوب وعيها.
خطة ترامب إذًا ليست نهاية الصراع، بل بداية فصل جديد من معركة الوعي والسيادة، حيث سيكون الامتحان الحقيقي للعرب لا في ما يوقّعونه اليوم بل في ما سيقبلون به غدًا او يفرض عليهم ، عندها سيختبروا أمام شعوبهم لا أمام واشنطن وتل أبيب.