أمريكا .. حين تُصبح الفكرة إمبراطورية
د. بركات النمر العبادي
14-10-2025 10:12 AM
كيف بنت الولايات المتحدة مجدها على قيم لا على حدود ، وعلى حلم لا على غنائم ؟ ليست القوة وحدها ما يصنع الإمبراطوريات... فالسيوف تصدأ ، والحدود تتآكل ، لكنّ الفكرة حين تُؤمن بها أمة ، تصبح سلاحًا لا يُهزم ، وحدًا لا يُكسر.
هكذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية ، لا وريثة لتاريخ دموي ، ولا دولة قومية تقليدية ، بل مشروعًا عقائديًا حداثيًا تأسس على الإيمان بمجموعة من القيم: مثل ؛ الحرية ، الفرصة ، القانون ، الفرد ، والحلم ، ولم تكن أمريكا مجرّد جغرافيا ممتدة أو جيش لا يُقهر، بل "مدينة على جبل" كما تخيّلها الحاجّ البروتستانتي جون وينثروب عام 1630 — مدينة تُنير للبشرية طريق الخلاص من الظلم والجهل والتخلف ، وهذا التصوّر لم يبقَ وعظًا دينيًا ، بل تحول إلى بنية مؤسسات ، وهيكل حكم ، وخطاب عالمي أصبح بوصلة للعصر الحديث ، وهنا اكتب بتجرد يشوبه شيء من الاعجاب بطريقة قيام هذه الدولة والمبادىْ التي قامت عليها ، وبذات الوقت لا اقول عنها انها تجلس على عرش الديموقراطية البريئة ، بل بالعكس يكفي ان في القلب و العقل يسكن ظلمهم للاشعب الفلسطيني و ذلك بدعمهم المطلق لدولة الاحتلال الصهيوني ، والمقتلة للعرب و المسلمين في غزة وفي ارض الرافدين (العراق) المكلوم .......الخ ،
أولًا: ما هي الفكرة التي قامت عليها أمريكا؟
وهنا سوف اعرض بعض من اهم القيم التي يمكن البناء عليها في العالم العربي ، وخاصة اننا فقدنا التعلق بعروبتنا اولا ومبادئنا وقيمنا الاسلامية ثانيا ، واصبحنا "كالغرب الذي اراد ان يتعلم كيف تمشي الحمامة وبعد وقت من المحاولة واعلن عجزه فحاول ان يعود الى طرقته القديمة في المشي غير انه لم يستطيع العوده "، كنا قد قدنا العالم لقرون وكانت تقودنا قيمنا و مبادىئنا و شريعتنا ، و اليوم كما تعلمون اصبحنا نهبا لباقي الامم ، واسفاه.
ونعود الى ما يُسمى بـ"الفكرة الأمريكية" هي منظومة قيم تتجاوز العرق والدين والانتماء القبلي ، وتقوم على:
• الحرية الفردية كمبدأ أعلى.
• الفرص المتكافئة كمحرك اجتماعي واقتصادي (الحلم الأمريكي).
• حكم القانون والدستور كأساس للعقد الاجتماعي.
• السوق الحرة كديناميكية للقوة والابتكار.
• التعددية الثقافية كمصدر ثراء ، لا تهديد.
لقد تحوّلت أمريكا إلى هوية فكرية–سياسية ؛ فأن تكون "أمريكيًا" يعني أن تؤمن بفكرة ، لا أن تنتمي لسلالة ، وهذا ما جعل منها بلدًا يصنع أفراده ، لا يتوارثهم.
ثانيًا: كيف تم استثمار هذه الفكرة في الداخل و الخارج ؟
في الداخل :
• صيغت الدولة كمشروع مفتوح للهجرة والإبداع ، مشروط بالإيمان بالقيم الأساسية.
• تم تحويل الحلم الأمريكي إلى وقود للطبقات الوسطى ، ليصبح النجاح الفردي واجبًا وطنيًا.
• تمت أسطرة التاريخ الأمريكي بحيث يُقدَّم كمَسار تقدمي أخلاقي ، رغم تعقيداته العنصرية والسياسية.
في الخارج:
• رُوّج لأمريكا كـ"زعيمة العالم الحر" في وجه الاستبداد والأنظمة المغلقة.
• استخدمت المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة والبنك الدولي، كأذرع للفكرة الأمريكية.
• أصبحت الثقافة الشعبية (هوليوود، الإنترنت، الأغنية، اللغة الإنجليزية) أدوات توسّع بلا جيوش.
ثالثًا: أدوات أمريكا في تنفيذ الفكرة
التحالفات، الأمم المتحدة، البنك الدولي ، خطاب الديمقراطية السياسة الدولار كعملة احتياط، الشركات العملاقة، النظام المالي العالمي الاقتصاد، السينما، الإعلام ، التعليم الجامعي ، التكنولوجيا ، الترفيه، الثقافة، القواعد العسكرية، حلف الناتو، الردع النووي، التدخل الانتقائي، القوة الصلبة، حقوق الإنسان ، حرية التعبير، خطاب العدالة الاجتماعية، منظمات دولية وشبكات ناشطة القيم/القانون
رابعًا : هل يمكن محاكاة هذا النموذج سياسيًا وعمليًا ؟
نعم ، لكن بشروط صعبة ومعقدة. من أهمها:
• وجود فكرة قابلة للتصدير، عالمية وجاذبة، مثل: الحرية، النهضة، العدالة، المساواة.
• نظام داخلي يعكس هذه القيم بصدق، لا شكليًا.
• قوة ناعمة متماسكة: تعليم، إعلام، ثقافة رقمية، مؤسسات فكرية.
• قدرة على إدارة التحالفات الدولية لا على العزلة.
• مرونة سياسية واقتصادية تتيح التكيّف مع الأزمات المتكررة.
الفكرة وحدها لا تكفي، لكنها شرطٌ لازم للشرعية التاريخية والاستمرار العالمي.
الولايات المتحدة ليست مجرد دولة عظمى بقوة مادية ، بل دولة قامت على سردية ، ورسخت نفسها كإمبراطورية فكرية – سياسي – اقتصادية.
لقد مارست الهيمنة ، نعم ، لكنها فعلت ذلك باسم الحرية والديمقراطية والحداثة.
وقد نجحت — بقدر ما فشلت — لأنها تفكر كقوه بُنيوية ، لا ككيان مؤقت ، وهذا التصوّر لم يبقَ وعظًا دينيًا او تصورا ذهنيا ، بل تحول إلى بنية مؤسسات ، وهيكل حكم ، وخطاب عالمي حتى أصبح بوصلة للعصر الحديث ، واقسم ان مشروعنا العربي الاسلامي حكم و قاد العالم ذات يوم لاكثر من عشرات القرون ، فهل من مجدد ؟ .
حمى الله الاردن وسددعلى طريق الخير خطى قيادته وشعبه .