facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




النخب السياسية المعلَّبة .. أقنعة الحداثة في مرايا العالم الثالث


د. بركات النمر العبادي
15-10-2025 10:45 AM

* تاريخ نشأة المفهوم ضمن الخطاب المعاصر:

•بعد الاستقلالات وتحويل الدولة العربية إلى دولة مركزية قوية ، بدأ يُلاحظ دور النخب المتحوّل : من قادة الفعل القومي أو التحرري ، إلى جزء من الجهاز الرسمي ، حيث أصبحت الوظائف السياسية أو الثقافية أحيانًا ترتبط بالولاء للنظام أكثر منها بخدمة جماهير واسعة أو تمثيل مجتمعي فعّال.

•في الثمانينات والتسعينات ، مع تزايد دور الإعلام الرسم ي، أدّت السيطرة الإعلامية إلى بناء صورة للنخب التي تُقدّم للجمهور — لكن في كثير من الحالات هذه الصورة كانت مصقولة ، تخفي من الخلف واقعًا أقل استقلالًا أو حماسًا.

•أثناء أحداث الربيع العربي (2010–2012) ، ظهرت انتقادات شديدة للنخب "المُمَثَّلة" إعلاميًا ، خاصة أولئك الذين كانوا يُعتبرون هم من يُلقي الخطاب التغييري ، لكن اتضح لاحقًا أن بعضهم مرتبط بالأنظمة القديمة ، أو أنه استُخدم إجراءً دعائيًا.

•بعد الربيع ، ازداد المصطلح أو التعابير الشبيهة في الإعلام والرأي العام مع النقد المتبادل: أدوات الإعلام الجديدة (مواقع التواصل) ساعدت أن يظهر هذا الجدل ، إذ يُنتقد من يُعتبر أنه “معلّب” — أي أنه يُسوّق له كبديل أو كقيادي إصلاحي ولكن باستمرار يتبع نفس الأطر المسموح بها ، ويتجنّب الخطوط الحمراء.

•حتى الآن: لا يوجد دليل أكاديمي مؤكد على من أول استخدم عبارة "النخب السياسية المعلّبة" تحديدًا.

•لكن المفهوم موجود بوضوح في النقد السياسي المعاصر من كتاب وصحفيين ومثقفين في الدول العربية ، ضمن دراسات تناقش دور النخب ، وعلاقتها بالسلطة والإعلام والمجتمع.

•الفكرة أقرب إلى مصطلح عام شعبي ونقدي أكثر من كونه مفهومًا أكاديميًا بتوثيق تاريخي دقيق.

في زحام العصور التي انكسرت فيها المرايا على وجوه الأمم ، برزت ظاهرة "النخب السياسية المعلَّبة" كأحد أكثر تجليات التزييف السياسي حضورًا في فضائنا العربي والعالم الثالث عمومًا ، ليست النخبة هنا نُطفة وعيٍ تولدت من رحم التجربة ، بل منتج سياسي مُعلّب ، خضع لعمليات فرزٍ وتغليفٍ محكمة داخل مصانع السلطة ، ليُقدَّم للشعوب على أنه خيارها الأمثل ، أو صوتها الذي لا ينطق إلا بما تسمح به آذان الحاكم.

تلك النخب لا تولد من معاناة الجماهير، بل من رحم البيروقراطية العتيقة التي تصنع الرموز كما تُصنع السلع ؛ بلا رائحة ، بلا لون ، وبصلاحية محددة ، هي نخب تتحدث بلغة الحرية دون أن تؤمن بقدرتها ، وتُزيّن خطابها بمفردات التغيير دون أن تلامس جوهره ، ترفع راية الديمقراطية في العلن ، بينما في الخفاء تبارك كل أشكال الوصاية السياسية والفكرية.

في العالم العربي، أصبح الوجه السياسي النخبوي مزيجًا من المحاكاة والامتثال ؛ فهو يلبس ثياب المثقف ، ويتحدث بعبارات الفيلسوف ، لكنه يتحرك وفق خيوط خفية يشدّها مركز السلطة والإعلام ، هذه النخب ، كما يصفها المفكر رياض الصيداوي ، «تعيش حالة انفصام بين الواقع السياسي والشعبي ، فهي تسكن قصور التحليل وتخشى النزول إلى الشارع» ، إنهم نُخب الاستعراض لا نُخب الصراع ، نُخب الخطاب لا نُخب الفعل.

وإذا ما نظرنا إلى التجربة السياسية في العالم الثالث ، نجد أن هذه الظاهرة ليست عربية المنشأ وحدها ؛ فهي نتاج الحداثة الناقصة ، تلك التي استوردت المؤسسات ولم تُنتج الوعي المؤسسي ، فكما يقول المفكر المغربي محمد عابد الجابري ، إن "التحديث من فوق لا يولّد إلا نخبة مطيعة ، تفكر بعيون السلطة وتتكلم بلسانها" ، وهكذا صارت النخب في كثير من بلدان الجنوب أشبه بـ"نباتات ظلّ" ، تعيش في إضاءة مصطنعة ، وتذبل حين تتعرض لأشعة الحقيقة.

في تلك النخب المعلّبة ، يختفي البُعد الأخلاقي لصالح البُعد النفعي ؛ تغدو السياسة سوقًا تُباع فيها المواقف كما تُباع السلع ، وتُقاس قيمة الإنسان بعدد متابعيه لا بعدد مواقفه ، لم تعد النخبة سلطة ضمير، بل أداة تسويق تُعيد إنتاج السلطة ذاتها في أثواب جديدة ، وحين تشتدّ الأزمات ، وتعلو أصوات الشعوب ، تكون تلك النخب أول من يلوذ بالصمت ، أو تتحول إلى جوقةٍ لتبرير الانكسار.

لقد آن الأوان لإعادة تعريف النخبة الوطنية في العالم العربي والعالم الثالث ، فالنخبة ليست لقبًا يُمنح في مؤتمرات ، ولا منصبًا يُورّث في دهاليز السلطة ، بل موقفٌ أخلاقي ومعرفي في وجه الزيف الجمعي ، إن الأمة التي لا تُنتج نخبها من رحمها ، ستظل تستهلك نُخبًا معبّأة في علب الاستيراد السياسي ، تُفتح عند الحاجة وتُغلق عند انتهاء الصلاحية.

فبين النخبب الحقيقية والمعلّبة ، مسافة تُقاس بجرأة السؤال ، وبمقدار ما تجرؤ على قول "لا" حين تصمت الجموع ، وفي هذا الفارق ، يُقاس نضج الوعي السياسي للأمم ، وصدق مشروعها في التحرر من التبعية والاستنساخ.

حمى الله الاردن وسدد على طريق الحق خطى شعبه وقيادة

*المراجع العلمية
1. الصيداوي، رياض. ما الذي أفشل النخب السياسية العربية؟، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 2018.
2. الجابري، محمد عابد. الخطاب العربي المعاصر: دراسة تحليلية نقدية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1990.
3. كعسيس، خليدة. النخب في العالم العربي: الواقع والأدوار، مجلة جامعة باتنة للعلوم الاجتماعية، الجزائر، 2021.
4. برهان غليون. اغتيال العقل: محنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية، دار التنوير، بيروت، 1985.
5. حنفي، حسن. من العقيدة إلى الثورة، دار التنوير، القاهرة، 1989.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :