خطة التحديث الاقتصادي في الأردن 2023 – 2025
د. بركات النمر العبادي
18-10-2025 10:31 AM
* تحليل لبعض نتائج خطة التحديث الاقتصادي
أُطلقت رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن (Economic Modernization Vision) لتصبح خارطة طريق إصلاحية طموحة ، ترمي إلى تحديث الاقتصاد، خلق فرص عمل ، جذب الاستثمارات ، وتحسين جودة الحياة للمواطنين ، هذه الرؤية ترافقها خطط تنفيذية للأعوام 2023– 2025، مع أهداف استراتيجية تشمل : استيعاب مليون شاب/شابة في سوق العمل ، زيادة الدخل للفرد ، تحسين التنافسية ، ورفع ترتيب الأردن في مؤشرات عالمية ، لكن السؤال الأهم : هل التنفيذ يوازي الطموح ؟ هل ما تحقق فعلاً ملموس للمواطن ؟ أم أن الخطة عالقة في الورق أو تحت التنفيذ غير الفعّال ؟ سأعرض أولًا الإنجازات ، ثم التحديات، وأخيرًا تقييمي الشخصي.
المؤشرات قبل خطة التحديث الاقتصادي
• في السنوات التي سبقت إطلاق الرؤية ، كان معدل البطالة مرتفعًا ومتصاعدًا ، ووصل في بعض الفترات إلى نحو 25 ٪ خصوصاً في عام 2021، وهو من أعلى المعدلات في تاريخ الأردن الحديث.
• المشاركة في سوق العمل كانت منخفضة، خاصة للنساء والشباب، مما يعني أن جزءًا كبيرًا من القوة العاملة في سن العمل لم تكن تعمل أصلاً .
• النمو الاقتصادي قبل الأزمة العالمية أو قبل إطلاق الخطة كان متوسطًا متواضعًا، لم يكن يحقق قفزات كبيرة في خلق فرص العمل أو تغيير هيكل الاقتصاد بصورة سريعة.
• حجم الاستثمار الأجنبي المباشر كان متذبذبً ، ليس ثابتًا أو بمستوى عالٍ مستدام ، مما قلل من القدرة على تمويل مشاريع كبيرة للتوظيف.
إنجازات ملموسة حتى الآن
1. خطة تنفيذ معتمدة وواضحة
تم اعتماد الخطة التنفيذية لرؤية التحديث الاقتصادي (2023-2025)، التي تتضمّن مئات المبادرات ، بالإضافة إلى ميزانيات واضحة وأطر لقياس الأداء. النسبة المنجزة من الأولويات
o بحسب تقرير نهاية النصف الأول من 2025، الحكومة أنجزت حوالي 32.5% من أولويات البرنامج التنفيذي من أصل نحو 545 أولوية.
o بعض المشاريع في قطاعات مثل التحول الرقمي والخدمات المستقبلية أحرزت تقدّمًا جيدًا: تمّ رقمنة عدد كبير من الخدمات، إطلاق مراكز خدمات حكومية جديدة في محافظات متعددة، وتدريب آلاف الشباب في المهارات الرقمية.
2. إصلاحات تشريعية وتنظيمية
إصدار قانون البيئة الاستثمارية الجديد، تسهيلات في الاستثمار، التركيز على الشراكة مع القطاع الخاص ، وإجراءات لتطوير بيئة الأعمال.
3. الانخفاض الطفيف في معدل البطالة
بالرغم من الضغوط الاقتصادية، هناك إشارات إلى تراجع في البطالة من حوالي 24.1 ٪ في 2021 إلى نحو 21.4٪ في الربع الثاني من عام 2024.
المؤشرات بعد انطلاق خطة التحديث الاقتصادي (أو في مرحلتها التنفيذية)
• معدل البطالة:
في الربع الثاني من 2024 وصل إلى 21.4 ٪، بانخفاضٍ قدره حوالي 0.6 نقطة مئوية من 22.0 ٪ في 2023. في الربع الأول من 2025، انخفض إلى 21.3 ٪ ، أي انخفاض بسيط مقارنةً بنفس الربع في 2024.
هذا الانخفاض يظهر أن هناك بعض الزخم الإيجابي، لكنه ليس اختراقًا كبيرًا.
• النمو الاقتصادي
• في 2024، حقق الأردن نموًا نحو 2.5 ٪ في الناتج المحلي الإجمالي، رغم التحديات الإقليمية والضغوط الاقتصادية العالمية. وفي الربع الأول من 2025، النمو المقدر قُدّر بـ 2.7 ٪ مقارنة بـ 2.2 ٪ في الربع الأول من 2024.
الاستثمار الأجنبي المباشر ارتفع: في أول ثلاثة أرباع 2024 بلغ نحو 1.3 مليار دولار، أي حوالي 3.3 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
كما أن الفترات اللاحقة أظهرت زيادة بمعدلات الاستثمار الأجنبي ، مثل زيادة بنسبة 3.7 ٪ في الربع الثالث من 2024 مقارنة بالفترة المماثلة في 2023.
وتحليل التأثير
1. تحسّن جزئي ، لكن ببطء
الانخفاض في معدل البطالة من ~22 ٪ إلى ~21.3-21.4 ٪ يُعتبر تحسُّناً، لكنه ليس تغييراً جذريًا ، و هذا يعني أن الخطة بدأت تؤتي بعض النتائج ، لكن الأثر لا يزال محدودًا وربما غير محسوس على نطاق واسع.
2. النمو الاقتصادي يُشكّل داعماً مكملاً
النمو بنسبة 2.5-2.7 ٪ يُعد متواضعاً لكن إيجابياً في ظل التحديات الاقتصادية الإقليمية. هذا النمو قد يساعد في استيعاب بعض العاطلين إذا كانت القطاعات تحقق توسعًا في النشاط.
3. الاستثمار الأجنبي كمقياس للثقة
الزيادة في تدفقات الاستثمار الأجنبي تشير إلى أن المستثمرين يرون إمكانية في تحسين المناخ الاستثماري في الأردن ، وهذا مؤشر مهم يُظهر أن الخطة بدأت تغيير الصورة الخارجية للمملكة كمكان للاستثمار.
4. التحسّن ليس متوازناً
بعض الفئات — مثل النساء ، والخريجين ، والمحافظات النائية — قد لا تكون استفادت بنفس القدر من التحسّن ، ما يعني أن التأثير ليس موزّعًا بعد بعدالة ، مثلاً ، في 2024، بلغت نسبة البطالة بين الإناث 32.9 ٪ (مقابل 18.2 ٪ بين الذكور).
5. باستخدام هذه الأرقام، يمكن االاستنتاج ، إن خطة التحديث الاقتصادي تحرّكت نحو الأمام ولم تظل جامدة في مكانها ، هناك مؤشرات على نتائج إيجابية : انخفاض بسيط في البطالة ، نمو اقتصادي ثابت ، وزيادة في الاستثمار الأجنبي.
ولكن يجب التنويه إلى أن التحول ليس بعد كبيرًا أو جذريًا ، وأن هذه المؤشرات بحاجة إلى أن تُترجم إلى تحسين ملموس في معيشة المواطن — ودخل الأسرة ، وتوزيع الفرص في جميع المحافظات ، وانخفاض أكبر في معدلات البطالة ، و ليس فقط تحسّن طفيف.
التقييم : هل ما زالت الخطة نراوح مكانها ؟ أم هناك تقدم حقيقي؟
بناءً على ما سبق ، وبحسب راي الخبراء ، أن الأردن قد تحرك من نقطة الصفر ، و إن الخطة ليست مجرد تصريح نظري ، بل هناك تنفيذ حقيقي ، وإنجازات محدودة ولكنها مهمة ، خصوصًا في مجالات التحول الرقمي ، التشريعات ، وإصلاح بيئة الاستثمار، ومع ذلك ، لا يزال هناك فرصة كبيرة للتسريع والفعالية. النسبة المنجزة من الأولويات (حوالي الثلث حتى الآن) وهذا يعني أن ثُلثين الخطة لا تزال تحت التنفيذ أو متأخرة ، مما يعكس أن جزءًا من الخطة "ما زال يتراوح مكانه".
تحليل الاتجاه العام (Trend Analysis)
1. الاتجاه العام إيجابي ولكن بطيء — نلاحظ انخفاضًا تدريجيًا في البطالة بمعدل تقريبي 1 ٪ سنويًا، وهو تقدم متواضع مقارنة بالأهداف المعلنة (خفض البطالة إلى 15 ٪ بحلول 2033).
2. النمو الاقتصادي مستقر — لم تتجاوز النسبة 3 ٪، ما يعني أن الاقتصاد الأردني يتعافى دون طفرة تشغيلية بعد.
3. الاستثمار الأجنبي آخذ بالتحسن — ويُعد المؤشر الأقوى على نجاح بيئة الأعمال الجديدة؛ لكنه لا يزال بحاجة إلى مشاريع تشغيلية واسعة.
4. غياب أثر واضح على الشرائح الاجتماعية — التحسن في المؤشرات الكلية لم ينعكس بشكل ملموس على دخل الأفراد أو مستوى المعيشة حتى الآن.
وعلى العموم يمكن القول ان خطة التحديث الاقتصادي نجحت في تثبيت المسار التصحيحي ، وأحدثت تحسنًا تدريجيًا في ثقة السوق والاستثمار، لكنها لم تصل بعد إلى مستوى الإنجاز الشامل أو التحول السريع في حياة المواطنين ، يمكن القول إن الأردن تجاوز مرحلة “المراوحة” إلى مرحلة “التحرك البطيء للأمام”. وفي الختام لا تعتبر خطة التحديث الاقتصادي في الأردن فاشلة ولا هي مكتفية بما هو مذكور في الورق فقط ، إذ هناك إنجازات حقيقية ومبادرات بدأت تظهر تأثيرها ، لكن أيضًا ليست مكتملة الأثر ولم تصل بعد إلى النقطة التي يشعر فيها معظم المواطنين بأن حياتهم تغيرت نحو الأفضل ، و ما نحتاجه الآن هو تسريع التنفيذ ، و التركيز على الجودة ، وضمان أن تكون الخطة أداة رفع حقيقي لمستوى المعيشة وفرص العمل وليس مجرد وثيقة تنفيذية تصبح محطة للجدل بين المدافعين عنها و المناهضين لها من جه اخرى .
حمى الله الاردن وسدد على طريق الحق قيادته وشعبه