"صروت" عندما تقولها المعرف لا يعرف
خلدون ذيب النعيمي
19-10-2025 08:29 AM
صروت بلدة وادعة جميلة تقع في اقصى الريف الغربي لمحافظة الزرقاء ، صروت شهدت مؤخراً مشهد جميل يمثل طيبة وشهامة مجتمعنا الأردني فأحد ابناء الجالية السودانية الذي يعمل في البلدة توفت طفلته فتداعى اهل البلدة للوقوف مع هذا الشقيق العربي "الذي الزمته لقمة العيش ان يغادر وطنه" في مراسم تشييع طفلته واقامة العزاء وتقبله ، فتسابق الرجل والشاب والمرأة لمعاونة الرجل وعائلته المكلومين بفقدان ابنتهم في غربتهم ، الرجل السوداني قالها ببهجة "رغم ألمه بفقدان فلذة كبده" لكل من قابله بلغته المحببة بعد ان رأى فزعة صروت واهلها "يا زول انا مش غربة لو أهلي بأم درمان ما قاموا بعمل وواجب اهل بصروت"، صروت مثلها مثل كثير من مناطق الوطن اكدت في مشهدها التشريني جمالية وشهامة مواطننا الاردني فقبلها كانت فزعة اهل الدفيانة مع المصري الذي توفى فيها وكذلك السلط مع العراقي وايضاً إربد والكرك مع السوري.
خلال رحلة العمرة قبل اكثر من 10 اعوام تعرض باصنا للعطل الميكانيكي بالقرب من بلدة في محافظة تيماء السعودية وكان الجو بارداً في منتصف الليل ، وحين حضور كبير البلدة اصر على استقبال مسافري الرحلة الذين كان يقارب عددهم 30 شخص في ديوانه مع ضيافتهم لحين اصلاح الباص وذلك عندما علم اننا اردنيين ، معزبنا الذي اذكر ان اسمه "ابو مساعد" كان يقدم الضيافة بنفسه وهو يقول "الأردنية أهل الأولة اللي مايلحقوا بالطيب" ، فقد علمنا منه انه تعرض لحادث سير صعب مع عائلته بالقرب من مدينة معان خلال زيارته للأردن واحتاج للدم وقتها فتسابق المعانية الذين تصادف وجودهم في المستشفى لاستضافة عائلته فضلاً عن التسابق بالتبرع بالدم له حتى تجاوز مرحلة الخطر وعاد لوطنه سالماً ، فليس من العبث وصف الاردني بالنشمي كما قال "ابو مساعد" وهو يهلي ويرحب بنا.
مما انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً اخبار عن حوادث مساعدة لأحد أبناء محافظات الشمال الذي تعرض مع عائلته لعطل مركبته وأخر من ابناء الجنوب مع نفس القصة في منطقة الوسط التي تعرض احد ابنائها هي الاخرى لنفس الحادثة في منطقة الشمال ، لا شك عندي ان سرد هكذا حوادث منبعها النية الطيبة في ابراز شهامة مجتمعنا الاردني بس يا جماعة الخير لسنا في وطننا بهذا التباين والاختلاف حتى تكون حوادث فردية بين ابناء الوطن الواحد بمثابة "هجنة" وغريبة عن عاداتنا وتقاليدنا ، فالنسوان "شبكة" ومن خلال المصاهرة فضلاً عن الاصول الواحدة لكثير من عشائرنا الاردنية في مختلف بقاع الوطن تجعل أي اثنين من ابناء الوطن لهم علاقة ثنائية ومعرفة وذلك من اللحظة الاولى من الحديث الاول بينهما.
"الأردن هو البلد الوحيد الذي لا يشعر فيه ضيفه وزائره بالغربة" كلمات سمعتها من كثير من الاشقاء العرب الذين التقيتهم في عملي عن زياراتهم لهذا الوطن ، فالضيف عندنا في موقع قوة حتى ياخذ حقه بلا مواربة او تجاوز وكثير من الاشقاء العرب الذي لجأوا للاردن بسبب او لأخر كان عشاء نزالتهم الاولى عند جارهم بن الوطن بمثابة تقليد افتقدوه في غير الاردن ، وحتى مع عودة بعض الاشقاء السوريين بعد هدوء الاوضاع في بلادهم كانت كلمتهم الاولى لم نكن بغربة في الاردن حتى نتركها ، وهي كلمات اكدت حقيقتها كثير من مواقع الوطن كما اكدته مؤخراً الجميلة "صروت".