الديمقراطية الأميركية: إنذار مبكر أم حكم نهائي؟
د. هيفاء ابوغزالة
19-10-2025 01:04 PM
في خبرٍ وُصِف بأنه “تاريخي وخطير”، حذّر معهد V-Dem التابع لجامعة يوتوبوري في السويد من أنّ الولايات المتحدة تشهد أسرع نوبةِ تراجُعٍ ديمقراطي في تاريخها الحديث، واضعًا إيّاها على «قائمة المراقبة» بعنوان صريح: "انهيارٌ ديمقراطيّ قيد التشكّل". التقرير السنوي لعام 2025 يستند إلى أكثر من 31 مليون نقطة بيانات تغطي 202 دولة منذ 1789، ويعرض قياساتٍ مفصلة للحريات وسيادة القانون والفصل بين السلطات، ما يمنحه ثِقَلًا علميًا استثنائيًا في هذا الحقل.
ما الذي يقوله التقرير عن «تصنيف» النظام الآن؟ حيث يدير مؤشر أنظمة العالم (V-Dem)، والذي يُصنّف الحكومات باستخدام بيانات من مؤشراته الأخرى، إما كأنظمة حكم استبدادي مُغلق ، أو أنظمة حكم استبدادي انتخابي ، أو ديمقراطية انتخابية ، أو ديمقراطية ليبرالية .حيث يشير مصطلح "السلطوية الانتخابية" لوصف بلدان تُجرى فيها انتخابات بينما تتركّز السلطة خارج الضوابط المؤسسية؛ لكن التقرير لا يقول إن الولايات المتحدة أصبحت كذلك بعد. بدلًا من ذلك، يخلص إلى أنّ البلاد تمرّ بمرحلة تسارعٍ نحو الأوتوقراطية مع مؤشراتٍ بنيوية مقلِقة، ويسأل مباشرةً: هل تتجه أمريكا إلى انهيارٍ ديمقراطي؟
يُعدِّد التقرير ملامح هذا التدهور: ضغوط على حكم القانون، مساعٍ لتسييس المؤسسات والهيئات الرقابية، وهجمات على المجال الإعلامي، ويضع في السياق حكم المحكمة العليا عام 2024 الذي منح الرؤساء حصانة واسعة عن «الأعمال الرسمية»—وهو ما يرى فيه باحثو VDem إضعافًا لمبدأ المساءلة. supremecourt.gov+1 كما يرصد التقرير خطواتٍ تنفيذية تمسّ بنية السياسة العامة الأميركية وبُناها التنفيذية، وصولًا إلى جهودٍ لإعادة هيكلة أو إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، وهي خطوة يعتبرها التقرير «اختبارًا حاسمًا» لقواعد المحاسبة الأفقية وفصل السلطات. وقد تزامن ذلك مع تقارير مستقلة تؤكّد مسار تفكيك الوكالة وإقفالها رسميًا في 2025. V Dem
خلاصة الرسالة البحثية: لسنا أمام حكمٍ نهائي بإعادة تصنيف الولايات المتحدة كنظامٍ «سلطوي انتخابي» بعد، لكننا أمام تحذير أكاديمي موثّق بأنّ خطوط الفصل بين الديمقراطية والسلطوية تُعاد رسمُها بسرعة مقلِقة. ومع ذلك، يذكّر التقرير بأنّ «نافذة الأمل» لا تزال قائمة ما دامت الانتخابات قائمة والمجتمع المدني والإعلام والقضاء قادرين على كبح الانزلاق وإعادة بناء التوازنات.
لماذا يهمّنا هذا؟ لأن V-Dem بوصفه أكبر قاعدة بيانات عالمية للديمقراطية—لا يقدّم رأيًا سياسيًا عابرًا، بل قراءةً كميةً وتاريخيةً لتغيّر الأنظمة. وحين يضع الولايات المتحدة على عتبة «انهيارٍ ديمقراطي محتمل»، فإنه يطلق إنذارًا مبكرًا حول تآكل الضوابط الدستورية وتغوّل السلطة التنفيذية—وهي قضايا تُعرّف جوهر الديمقراطية لا هوامشها.