جولة تاريخية في ربوع مدينة السلط
السفير الدكتور موفق العجلوني
19-10-2025 01:07 PM
منذ لحظة التحاقي قي في وزارة الخارجية عام ١٩٨٢ بدرجة ملحق دبلوماسي و عملي في إدارة المراسم ثم انتقالي الى استراليا مروراً في العديد من دول العالم و على رأسها استراليا و ماليزيا واندونيسيا و سنغافورة و تايلند و فرنسا وسويسرا و إيطاليا و هولندا و بلجيكا و بريطانيا و تشيلي و الارجنتين و ميامي وواشنطن و نيويورك و تكساس و إيطاليا و الصين وفيتنام و ماليزيا و اندونيسيا و أذربيجان و أرمينيا و غرغستان و أذربيجان و المغرب ودول مجلس التعاون و دول أخرى عملت بها او زرتها او حتى مررت بها و افراد عائلتي : زوجتي منى ال عيون العجلوني ، وابنتي الإعلامية فرح واولادي رعد المقيم في سويسر ومحمد راشد المقيم في الامارات و فارس العائد للتو من لندن ، و نحن نعمل على ترويج الأردن سياحياً ، وهذا موثق سوا في وزارة الخارجية او في وزارة السياحة و هيئة تنشيط السياحة او وسائل الصحافة و الاعلام .
و في مهمة لابني فارس العجلوني العضو في مؤسسة السياحة الفرنسية Voyageurs du Monde يعمل على اعداد برامج سياحية تراثية لزوار فرنسيين لمدينة السلط ، حيث تم التنسيق مع عطوفة الدكتور عبد الرزاق عربيات المدير العام لهيئة تنشيط السياحة و مديرية سياحة السلط ممثلة بعطوفة السيد محمود عربيات و مؤسسة اعمار السلط ممثلة بعطوفة السيد خلدون خريسات حيث ، تفضل ابني فارس مشكورا بدعوتنا بمرافقته في هذه الزيارة و خاصة بوجود ابني رعد المقيم في سويسرا و المتواجد في زيارة للأردن في زيارة عمل .
تم لقاء السيد عربيات و السيد خريسات و أعضاء المديرية و تم تناول كافة الأمور المتعلقة ببرامج زيارة السياح الفرنسين الى مدينة السلط و اعداد الترتيبات اللازمة .
بعد الاجتماع تم اصطحابنا في جولة تاريخية في متحف السلط وجولة في ربوع مدينة السلط وهي اول مرة تسنح لنا الفرصة بالاطلاع على المواقع التراثية الرئيسية في المدينة والتي كنا نجهلها حقيقة ويعود هذا الامر لتقصيرنا بمعرفة بلدننا ومددننا الاردنية و ما تكتنزه من كنوز تراثية وحضارية وتاريخية.
خلال جولتنا، لا أستطيع ان اوصف انبهاري وانبهار و افراد عائلتي بالمستوى العالي من المحافظة على التراث العمراني، والتكامل المذهل بين التراث المادي واللامادي في السلط. واذكر بعضاً من هذه المشاهد:
• المواقع التراثية الفريدة التي تمتد بين الأزقة القديمة والبيوت الحجرية ذات الطابع الأصيل.
• نموذج العيش المشترك الخلّاق بين المسلمين والمسيحيين، والذي يتجلى بصورة واضحة من خلال تلاصق المسجد والكنيسة في قلب المدينة، في مشهد نادر يعكس التسامح والسلام الحقيقي.
• الترابط العائلي والاجتماعي الذي يشعر به الزائر في السلط، والذي يُضفي دفئًا على التجربة السياحية.
بنفس الوقت يصعب وصف الكرم والضيافة السلطية الاستثنائية التي تلقيناها والتي جمعت بين الأصالة والتنظيم العالي. وان الصور والذكريات التي طبعت في عقولنا لا بد ان يعرفها الجميع سواء في الأردن او في الخارج، مما يفتح آفاقًا جديدة للسياحة الثقافية في مدينة السلط.
حيث عبر رعد وفارس أن السلط تمثل نموذجًا نادرًا للسياحة الأصيلة (Authentic Tourism)، التي يبحث عنها السيّاح الباحثون عن التجربة الحقيقية وليس السياحة التجارية.
من جهة أخرى أشار رعد المتخصص في مجال الذكاء الاصطناعي وصاحب منصة سويسرية في الذكاء الاصطناعي عن إعجابه بقدرة مجتمع السلط على الحفاظ على الهوية والخصوصية الثقافية في عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي، وهو تحدٍ كبير تواجهه مجتمعات كثيرة حول العالم.
مدينة السلط، الواقعة في قلب الأردن والأردنيين، تعد واحدة من أقدم وأجمل المدن الأردنية ذات الطابع التراثي العريق. تشتهر المدينة بمبانيها القديمة المبنية من الحجر الأصفر، وأحيائها المتداخلة التي تعبق برائحة الماضي العريق، وتاريخها الغني الذي يشهد على تعايش الأديان والثقافات في أبهى صوره. في السنوات الأخيرة، تحوّلت مدينة السلط إلى وجهة سياحية بارزة على المستويين المحلي والعالمي، نتيجة للجهود المتضافرة من قبل المجتمع المحلي والمؤسسات الرسمية والخاصة، ما جعلها محجًّا لكل عشّاق التراث الأصيل.
تمتاز مدينة السلط بوجود مئات المواقع التراثية والمعمارية التي تعود إلى العهد العثماني والعصور الحديثة، وقد حافظت هذه المدينة على نسيجها العمراني الفريد من نوعه، حيث تمتزج الأبنية التراثية بالأسواق القديمة، والمساجد والكنائس، والأزقة الضيقة، والكروم الممتدة على تلالها. و من أبرز المعالم التراثية:
المقامات والأماكن الدينية التاريخية الهامة، من أبرزها مقامات الأنبياء مثل مقام النبي شعيب، والنبي يوشع بن نون، ، بالإضافة إلى عدة كنائس تاريخية مثل كنيسة الخضر وكنيسة القديس جورج، كما تضم صرح الشهداء الأتراك.
تتسم مدينة السلط بتراثها المعماري، وبالتالي فقد أدرجت ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو تحت اسم "مدينة التسامح والضيافة الحضارية". وتشمل الميّزات المعمارية مساكن من الحجر الجيري الأصفر، وشوارع ضيقة ومتدرجة، حيث استخدام الحجر والكلس والخشب في البناء، أجِّلها الطابع العثماني القديم :
متحف آثار السلط، يقع في مركز السلط التجاري الجديد، ويضم معروضات أثرية من عصور قديمة (العصر النحاسي، البرونزي، الحديدي، البيزنطي، الأيوبي والمملوكي).
المدرسة السلط الثانوية، أول مدرسة ثانوية حكومية في الأردن، تم تأسيسها عام 1923م، وتعد من المعالم التاريخية الهامة للمدينة.
شارع الخضر، من أقدم شوارع السلط. يمتد من ساحة العين (الساحة الرئيسية) صعودًا إلى كنيسة الخضر، ونزولًا إلى شارع الميدان. يحتوي على دكاكين قديمة، واجهات حجرية صفراء، ومحلات تجارية، وبعض الأنشطة الدينية (كنيستين: الخضر والروم الأرثوذكس) على جانبيه.
شارع الحمام، شارع تجاري تراثي. تم بناؤه حوالي بين 1881–1884م على أيادي تجّار نابلس. كان به حمام عام، ولكن الحمام الهام دُمِّر في أواخر الثلاثينات، وأُنشئت محلات تجارية مكانه.
شارع القدس ("شارع الستين") ، شارع ذو إطلالات جميلة على جبال فلسطين، الأغوار، والبحر الميت. أُشير إليه كمقصد سياحي.
أزقة المدينة المتدرجة والسلّامة، السلط مبنية على ثلاثة تلال: الجدعة، والقلعة، والسلالم. فيها أزقة ضيقة، ممرات متدرجة تربط الأحياء فيما بينها.
بيوت السلط القديمة: مثل بيت أبو جابر، وبيت خريسات، التي تحولت إلى متاحف ومراكز ثقافية.
المدارس القديمة: مثل مدرسة السلط الثانوية التي تُعدّ من أقدم مدارس المملكة.
تتميز السلط أيضًا بوجود الكروم والحدائق الجبلية، التي كانت وما زالت مصدر رزق وجمال طبيعي يضيف بعدًا خاصًا للسياحة البيئية في المدينة.
تلعب مؤسسة إعمار السلط دورًا رياديًا في الحفاظ على تراث المدينة وإعادة إحيائه، حيث ساهمت في:
• ترميم البيوت القديمة وتحويلها إلى معالم سياحية ومراكز مجتمعية.
• دعم المشاريع السياحية الصغيرة والمتوسطة.
• إطلاق فعاليات ثقافية وفنية تروّج لتراث المدينة.
• التعاون مع اليونسكو ومؤسسات دولية لتوثيق تراث السلط، مما ساهم في إدراج المدينة على قائمة التراث العالمي.
وتعمل مديرية سياحة السلط بشكل متكامل مع المجتمع المحلي والجهات الأخرى على:
• الترويج السياحي للمدينة محليًا وعالميًا.
• تنظيم الجولات السياحية والإرشادية.
• دعم البنية التحتية السياحية، وتحسين الخدمات المقدّمة للزوار.
• توفير التدريب والورش للعاملين في قطاع السياحة.
وقد ساعد هذا العمل المتكامل في تعزيز مكانة السلط كوجهة مفضلة للزوار من مختلف دول العالم.
ما يميّز السلط حقًا هو أهلها، الذين يتمتعون بروح الكرم والأصالة. فقد حافظوا على بيوتهم القديمة، وفتحوا أبوابها للزوار، وأسهموا في نقل صورة مشرّفة عن المدينة.
يُجمع الزوار على أن زيارة السلط لا تكتمل إلا بلقاء أهلها، حيث يشعر السائح وكأنه بين أهله وأحبته، ويُقابل بكل ترحاب وود. كما تجد معظم السكان على أتم الاستعداد لتقديم المساعدة والإرشاد، وتوفير كافة أسباب الراحة للزوار.
رغم ما تحقق من إنجازات، إلا أن مدينة السلط تحتاج إلى مزيد من الدعم من الدولة، وخصوصًا وزارة السياحة والآثار، من خلال:
• تعزيز الترويج السياحي محليًا ودوليًا.
• تطوير البنية التحتية الداعمة للسياحة.
• دعم القطاع الخاص للاستثمار في السلط.
• تقديم حوافز للمرشدين والمشاريع السياحية الناشئة.
إن السلط، بتاريخها الغني وتراثها الفريد، تستحق أن تكون من أولويات الاستثمار السياحي في الأردن، لما لها من مقومات تؤهلها لتكون عاصمة للتراث والثقافة.
تشكل السلط نموذجًا فريدًا في الحفاظ على الهوية الثقافية والتراثية في الأردن، بفضل تكاتف الجهود بين المؤسسات الرسمية وأبناء المدينة. ومع استمرار هذا التعاون والدعم الحكومي والخاص، يمكن للسلط أن تتحول إلى إحدى أهم الوجهات السياحية في المنطقة، وأن تبقى كما كانت دائمًا، مدينة الضيافة والتاريخ والجمال.
مدينة السلط، الواقعة إلى الغرب من العاصمة عمّان، تمثل واحدة من أهم الحواضر التاريخية والثقافية في الأردن والشرق الأوسط. وقد أصبحت السلط رسميًا مدينة من مدن التراث العالمي التابعة لليونسكو في عام 2021، وذلك تقديرًا لخصوصيتها المعمارية والاجتماعية التي تعكس التعايش السلمي بين المجتمعات والثقافات المختلفة، إلى جانب طرازها العمراني الفريد المستند إلى الحجر الأصفر، ونمط الحياة التقليدي الذي حافظ عليه أهل المدينة حتى اليوم .
في 27 تموز/يوليو 2021، قررت لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو إدراج "السلط – مدينة التسامح والضيافة الحضرية" على قائمة التراث العالمي. وكان هذا القرار بمثابة اعتراف دولي بأهمية السلط كموقع حضاري وثقافي استثنائي، لعدة أسباب:
القيم الإنسانية العالمية (Outstanding Universal Value - OUV):
• تشكل السلط مثالًا حيًا على التعايش الديني والثقافي بين المسلمين والمسيحيين في مجتمع حضري.
• تعكس المدينة مفهوم "الضيافة الحضرية" الذي يجمع بين الأصالة والتسامح والانفتاح على الآخر.
• تطور المدينة بشكل طبيعي ومتوازن بين سكانها دون انقسامات أو صراعات دينية أو طائفية.
الطراز المعماري الفريد:
• تتكون السلط من أكثر من 650 مبنى تاريخيًا، يعود تاريخها للقرنين التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
• تشتهر المدينة باستخدام الحجر الرملي الأصفر في البناء، وهو ما يعطيها طابعًا موحدًا وفريدًا.
• يظهر الطراز المعماري للمدينة تداخلًا مميزًا بين الطراز الأوروبي العثماني والعربي التقليدي.
أصالة وتكامل المدينة:
• حافظت السلط على نسيجها المعماري والاجتماعي الأصلي، دون تدخلات معمارية مشوهة.
• ما زالت الحياة الاجتماعية والثقافية التقليدية قائمة حتى اليوم، ما يعزز من قيمة الأصالة.
معطيات ومكونات مدينة السلط التراثية:
• تحتوي المدينة على أحياء تاريخية مثل حي السلالم، وحي الخضر، وحي الجدعة.
• المباني التراثية المشهورة مثل: بيت أبو جابر، وبيت عطا الله خريسات، ومدرسة السلط الثانوية (أقدم مدرسة ثانوية في الأردن).
• السلالم والطرقات المتداخلة التي تربط بين الأحياء بشكل فني ومعماري مميز.
المؤسسات التراثية والثقافية:
• متحف السلط التاريخي، والذي يضم مقتنيات وصورًا تؤرخ للمدينة.
• بيت السلط للتراث: مركز تفاعلي يعرض جوانب من حياة المدينة القديمة.
• السوق القديم في السلط، وشارع الحمّام، وأسواق الحرف التقليدية ما زالت تعمل وتزدهر.
دور المجتمع المحلي في الحفاظ على التراث
يُحسب لأهالي السلط أنهم لم يتركوا تراثهم عرضة للاندثار، بل قاموا بحمايته وتعزيزه بجهودهم الذاتية من خلال:
• حافظوا على البيوت القديمة وساهموا في ترميمها.
• فتحوا أبوابهم للسياح والزوار، مقدمين نموذجًا حيًا للضيافة والكرم الأردني.
• يشاركون في الفعاليات الثقافية والفنية لإحياء ذاكرة المكان والناس.
"السائح عندما يزور السلط يشعر وكأنه بين أهله"، مقولة تتكرر على ألسنة كل من زار المدينة، وهي تعبير حقيقي عن روح المدينة.
دور مؤسسة إعمار السلط ومديرية السياحة:
• تعمل منذ سنوات على ترميم وإعادة تأهيل المواقع التراثية.
• تنفذ مشاريع الحفاظ على التراث المعماري وتحويل المباني إلى مراكز ثقافية وسياحية.
• تسهم في دعم الحرفيين وتشجيع المشاريع الصغيرة المرتبطة بالتراث.
دور مديرية سياحة السلط:
• تنظم الجولات السياحية وبرامج التوعية الثقافية.
• تنسق مع المجتمع المحلي لتعزيز التجربة السياحية.
• تطلق مبادرات لاستقطاب السياحة الدولية بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار.
السلط كمركز للسياحة المحلية والدولية
تتمتع السلط بمكانة متزايدة على خارطة السياحة في الأردن والعالم، لأسباب عديدة:
• قربها من العاصمة عمّان (3020- دقيقة فقط).
• تنوعها التراثي والثقافي والديني.
• حسن الضيافة والترحاب من قبل سكانها.
• ازدياد الاهتمام الدولي بعد إدراجها ضمن التراث العالمي.
وأصبحت السلط وجهة رئيسية للزوار من أوروبا وآسيا والعالم العربي، وكذلك للسياحة التعليمية والثقافية والدينية.
مستقبل مدينة السلط وأهمية الدعم الحكومي والخاص
رغم الإنجازات الكبيرة، إلا أن السلط تحتاج إلى:
من الدولة:
• زيادة الاستثمار في البنية التحتية السياحية.
• دعم التسويق والترويج العالمي للمدينة.
• توفير حوافز للقطاع الخاص للاستثمار في قطاع السياحة.
من القطاع الخاص:
• الاستثمار في الفنادق والنُزُل التراثية والمطاعم المحلية.
• دعم المبادرات الشبابية المرتبطة بالسياحة والتراث.
• إنشاء شركات سياحية محلية تتعامل باحترافية مع الزوار الدوليين.
الحديث عن السلط يحتاج الى مجلدات، السلط ليست مجرد مدينة تاريخية، بل هي نموذج حيّ للتعايش والسلام والضيافة. إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي لم يكن مجرد تكريم، بل هو دعوة للحفاظ على هذا الإرث الحي، وتعزيز دور المدينة كمركز إشعاع ثقافي وسياحي في الأردن والعالم. بجهود أهلها، ومؤسساتها، ودعم الدولة والقطاع الخاص، يمكن أن تبقى السلط منارة تراثية وإنسانية عالمية، تُعلي من شأن الأصالة، وتحتضن زوارها بكل دفء وانتماء.
شكراً لابننا فارس العجلوني صاحب هذه المبادرة والذي يسعى لترويج الأردن سياحياً وتراثياً و ثقافياً ، والذي سبق له ان رافق مئات السياح الأوروبيين الى كل من العقبة ووادي رم و البحر الميت و عمان و جرش و عجلون .
* مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me