الحوكمة والأتمتة والربط الإلكتروني .. الطريق نحو الإدارة الحديثة
المهندس مازن الفرا
19-10-2025 10:48 PM
يشهد العالم اليوم ثورة رقمية غير مسبوقة تُعيد تشكيل أساليب الإدارة والخدمات العامة والخاصة على حدٍّ سواء.
وفي قلب هذه التحولات، برزت ثلاثة محاور أساسية أصبحت ركيزة لكل إصلاح إداري وتنموي ناجح: الحوكمة، والأتمتة، والربط الإلكتروني.
يشكّل هذا المثلث قاعدة أساسية نحو بناء إدارة عصرية شفافة وفعالة، قادرة على تحقيق رؤية التحديث الاقتصادي والإداري التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم ، وولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني -حفظهم الله-.
الحوكمة — الإطار الذي يضبط الأداء ويعزز الثقة
الحوكمة ليست مجرد مصطلح إداري، بل هي ثقافة مؤسسية تقوم على الشفافية والمساءلة والعدالة والكفاءة.
تعني الحوكمة أن تعمل المؤسسة بوضوح في توزيع الصلاحيات والمسؤوليات، وأن تُخضع قراراتها للرقابة والتقييم.
ركائز الحوكمة:
• الشفافية في عرض المعلومات والقرارات.
• المساءلة الإدارية والمالية.
• العدالة في تطبيق الإجراءات على الجميع.
• الكفاءة في إدارة الموارد البشرية والمادية.
• الاستدامة المؤسسية بغضّ النظر عن تغيّر الإدارات.
وفي السياق الأردني، بدأت الحوكمة تترسّخ من خلال أنظمة الرقابة الحديثة، وتفعيل ديوان المحاسبة، وإطلاق تقارير الأداء الحكومية الدورية، إلى جانب نشر ثقافة المساءلة المجتمعية.
الأتمتة — التحوّل من الورق إلى الأداء الذكي
الأتمتة هي العمود التقني للتحول الإداري الحديث.
فهي تعني تحويل العمليات اليدوية إلى أنظمة إلكترونية ذكية تُنفَّذ بدقة وسرعة دون الحاجة للتدخّل البشري المستمر.
أبرز فوائد الأتمتة:
• تقليل الأخطاء البشرية وتوحيد الإجراءات.
• خفض التكاليف التشغيلية وتسريع الإنجاز.
• تسهيل الرقابة اللحظية على الأداء والإنتاجية.
• تحسين تجربة المواطن والمستثمر عبر الخدمات السريعة.
أمثلة ناجحة:
• نظام الدفع الإلكتروني “eFAWATEERcom” الذي وحّد آلاف الخدمات الحكومية.
• أتمتة نظام الضمان الاجتماعي وحماية الأجور.
• نظام تتبع الحافلات في النقل العام الذي يُمكّن من مراقبة الحركة والخدمة آنيًا.
• الفواتير الإلكترونية في وزارة المالية كجزء من التحول نحو الاقتصاد غير النقدي.
الربط الإلكتروني — من الجزر المنعزلة إلى الشبكة الوطنية
الربط الإلكتروني هو المرحلة التي تُكمل المنظومة.
فهو يربط الوزارات والمؤسسات معًا عبر شبكة معلومات آمنة، مما يُنهي الازدواجية ويختصر الوقت والتكاليف.
أهميته:
• تمكين تبادل البيانات بين المؤسسات في الوقت الحقيقي.
• تسهيل المعاملات عبر بوابة حكومية موحدة.
• بناء قاعدة بيانات وطنية داعمة لصانع القرار.
• تعزيز الأمن المعلوماتي والتكامل المؤسسي.
• ضبط عمليات التهرب الضريبي من خلال تتبّع الحركة المالية والمعاملات التجارية إلكترونيًا، وربط أنظمة الجمارك والضرائب والمبيعات بشكل متكامل، مما يحدّ من التلاعب في الفواتير أو إخفاء الإيرادات.
نماذج رائدة:
• الربط بين وزارة الداخلية والأحوال المدنية لتبسيط معاملات البطاقات والجوازات.
• التكامل بين وزارة الصناعة والتجارة ودائرة الأراضي لتسجيل الشركات إلكترونيًا.
• مشروع الربط الوطني للوزارات والهيئات الحكومية ضمن مبادرات وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة.
نحو مستقبل رقمي شامل
يمتلك الأردن كل المقومات لقيادة تجربة عربية متميزة في هذا المجال، بفضل كفاءاته البشرية وبنيته التحتية الرقمية المتنامية.
ولضمان نجاح المرحلة المقبلة، من الضروري:
1. إنشاء هيئة وطنية للحوكمة الرقمية تشرف على تكامل الأنظمة والبيانات.
2. تعميم الأتمتة في البلديات، النقل، والسياحة لتسريع الخدمات.
3. ربط القطاعات الإنتاجية (الصناعة، الزراعة، اللوجستيات) بأنظمة رقمية موحدة.
4. إطلاق منصة موحدة للمستثمرين والمغتربين الأردنيين لتسهيل المعاملات عن بُعد.
5. تبنّي الذكاء الاصطناعي والتحليل التنبؤي لدعم القرارات الحكومية.
خاتمة
الانتقال إلى الحوكمة الرقمية ليس ترفًا إداريًا، بل ضرورة وطنية لمستقبل أكثر كفاءة وشفافية وعدالة.
فمن خلال الدمج بين القيادة الرشيدة، والتكنولوجيا الحديثة، والربط المؤسسي الذكي، يمكن للأردن أن يحقق نقلة نوعية في أداء مؤسساته، وأن يُقدّم نموذجًا عربيًا ناجحًا في الإصلاح والتحول الرقمي.
وللحديث بقية..
farramazen@hotmail.com