الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل وزارة النقل .. فرصة نحو المستقبل
السفير الدكتور موفق العجلوني
20-10-2025 09:37 AM
في خضم التحوّلات العالمية المتسارعة في قطاع النقل، بات الذكاء الاصطناعي أداة مركزية في صياغة الحلول الذكية التي تواجه التحديات اليومية من ازدحام مروري، وتلوث بيئي، إلى كفاءة التشغيل وسلامة المواطنين. وبينما تسابق الدول المتقدمة الزمن في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن منظوماتها. وهنا يبرز الأردن اليوم كأحد النماذج القادرة على خوض هذا المسار بثقة ورؤية، خصوصًا في ظل توفر قيادة تنفيذية تمتلك الخبرة والرؤية الإصلاحية ممثلة بمعالي الدكتور نضال القطامين وزير النقل.
ليس الحديث عن الذكاء الاصطناعي كما لمسته من معالي وزير النقل الدكتور نضال القطامين اثناء تشرفي بزيارة معاليه في وزارة النقل، ترفًا نظريًا، بل ضرورة وطنية تمليها عوامل متعددة تشمل : تنامي التحديات الحضرية، والالتزامات البيئية، و متطلبات التكامل الإقليمي، وتوقعات المواطن الأردني بخدمات نقل حديثة وآمنة وسريعة. ومع وجود إرادة سياسية داعمة، وكفاءات وطنية مؤهلة، وبنية تحتية رقمية آخذة في النمو، فإن الفرصة باتت سانحة لوزارة النقل كي تتصدر المشهد كمؤسسة رائدة في التحوّل الرقمي الذكي.
ومن هذا المنطلق يمتلك الاردن مجموعة من المبادرات القائمة التي يمكن البناء عليها لتعزيز التحوّل الذكي. من هذه المبادرات مشروع هيكلة النقل العام بين المحافظات، الذي يعتمد على أسطول حديث من الحافلات، وأنظمة تتبع إلكترونية، ومنظومة دفع ذكية، إلى جانب العمل على توسيع أنظمة الرقابة البيئية لمركبات ذات أثر بيئي مرتفع، مثل صهاريج المياه ومركبات المواد الكيميائية.
وفي إطار استراتيجي طويل الأمد، شرعت الوزارة في تطوير أداة وطنية لنمذجة النقل، تهدف إلى محاكاة توقعات النمو والتغيرات حتى عام 2030، وتحليل الخيارات الفنية والبيئية والتنظيمية الممكنة. كما تتجه الوزارة نحو النقل الأخضر، من خلال تبني المركبات الكهربائية، ودراسة جدوى استخدام الهيدروجين الأخضر، بما يعكس التزامًا عميقًا بالتحوّل نحو الاستدامة.
في المقابل، تسعى الوزارة إلى إعادة هيكلة الهيئة المنظمة للنقل البري، وتحديث أدوارها بما يعزز الحوكمة ويُوزع المسؤوليات بوضوح، ويدعم التكامل بين الجهات ذات العلاقة في القطاع.
حقيقة الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية، بل منظومة متكاملة تتيح لوزارة النقل أدوات تنبؤية وتحليلية قادرة على اتخاذ قرارات أكثر دقة وسرعة، ورفع جودة الخدمات، وخفض التكاليف التشغيلية. فباستخدام الخوارزميات الذكية استناداً الى الدراسة التي صدرت عن " مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية " حول دور الذكاء الاصطناعي في إدارة وزارة النقل، يمكن للوزارة اتخاذ الخطوات التالية:
ولكي تتحول هذه الرؤية إلى واقع ملموس، يسعى معالي الوزير القطامين الى تبني نهج استراتيجي شامل يتدرّج في التنفيذ ويضمن الاستدامة. حيث تبدأ الرحلة من صياغة رؤية وطنية واضحة للذكاء الاصطناعي في قطاع النقل، تُبنى على أولويات المرحلة مثل تقليل الحوادث، تحسين النقل العام، وخفض الانبعاثات، مع اعتماد خطط زمنية على مدى عام، وثلاثة أعوام، وخمسة أعوام، وصولًا إلى أفق 2030.
يتطلب هذا التحوّل بنية تحتية رقمية متطورة، تشمل حساسات، كاميرات، أنظمة تحديد مواقع، وشبكات اتصال عالية الكفاءة، بالإضافة إلى قاعدة بيانات موحدة تضمن جودة المعلومات، وتتيح الربط والتكامل بين مختلف المؤسسات.
بنفس الوقت فأن تأهيل الموارد البشرية في وزارة النقل يشكّل حجر الأساس في هذه العملية، من خلال برامج تدريب متخصصة، واستقطاب الخبرات التقنية عند الحاجة، وبناء شراكات مع الجامعات والمراكز البحثية، وكذلك يمكن الاستعانة بخبراء اردنيون معروفين في مجال الذكاء الاصطناعي مقيمون في الخارج على سبيل المثال في الدول الأوروبية وخاصة سويسرا.
وبالتالي لا يكتمل البناء دون إطار تشريعي وتنظيمي حديث، يضمن حماية البيانات، وينظم الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي، ويضع مؤشرات أداء واضحة لقياس الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي. وفي مراحل لاحقة، من المهم البدء بـمشاريع تجريبية على نطاق محدود (مثل محافظات مختارة أو خطوط نقل رئيسية)، بهدف اختبار التكنولوجيون تحليل التحديات، وتقييم الجاهزية قبل تعميمها على المستوى الوطني.
إن نجاح التحوّل الرقمي لا يتوقف عند وزارة النقل ومؤسسات الدولة فحسب، بل يمتد ليشمل المواطنين أنفسهم، الذين يجب أن يكونوا جزءًا من عملية التقييم والتغذية الراجعة، من خلال منصات وتطبيقات ذكية تتيح لهم المساهمة الفاعلة.
بالمقابل، يمثل القطاع الخاص شريكًا حيويًا في هذا المسار، سواء من خلال توفير حلول تكنولوجية مبتكرة، أو من خلال الاستثمار في البنية التحتية الذكية، أو عبر التعاون في تطوير الخدمات القائمة. أما على الصعيد الدولي، فإن الانفتاح على الشراكات مع مؤسسات التنمية والجهات المانحة، يوفر بيئة خصبة لتبادل المعرفة والخبرات والتمويل المستدام.
إن وجود شخصية علمية كرزماتية وتقنية وطنية اصيلة تمتاز بخبرة أكاديمية وإدارية عميقة، تجمع بين الرؤية الاستراتيجية والفهم العملي لتحديات تطوير النقل الذكي، مثل معالي الدكتور نضال القطامين على رأس وزارة النقل، هي فرصة نوعية غير مسبوقة لتحويل الطموح إلى برنامج عمل وطني. فمؤهلاته العلمية والعملية وخبرته الطويلة، وفهمه العميق لتقاطع التكنولوجيا مع السياسة العامة، تضعه في موقع يؤهله لتجاوز الحواجز البيروقراطية، وبناء شراكات استراتيجية، وتوجيه دفة الوزارة نحو المستقبل بثقة.
بنفس الوقت النجاح لا يعتمد فقط على الكفاءة الفردية، بل على منظومة متكاملة من الرؤية المؤسسية، والحوكمة الرشيدة، والإرادة السياسية، والتعاون الفعّال بين جميع الجهات.
واخيراً وليس اخراً، يمتلك الأردن اليوم نافذة فريدة لصناعة نموذج وطني رائد في النقل الذكي، لا يقتصر على تقليد التجارب العالمية، بل يستفيد منها ليبتكر حلولاً تتناسب مع خصوصيته الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية. وإذا ما أُحسن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، فإن وزارة النقل لن تكون فقط جهة خدمية، بل محركًا للتنمية الشاملة، وصورة مشرقة عن دولة تضع الإنسان في صلب رؤيتها التكنولوجية.
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال الدور الملهم الذي يقوم به سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني حفظه الله في قيادة رؤية وطنية عصرية ترتكز على التحوّل الرقمي والذكاء الاصطناعي كركائز أساسية للنمو والتحديث. لقد وجّه سموّه البوصلة نحو المستقبل عبر مبادرات تستهدف تمكين الشباب، وتحفيز المؤسسات العامة على الابتكار، وتعزيز مكانة الأردن كمركز إقليمي للثورة التكنولوجية.
فبرعاية سموّه، تتعزز الثقة بأن الجيل القادم من الأردنيين سيكون شريكًا حقيقيًا في صياغة السياسات، وتطبيق الحلول، وتحقيق الرؤية الملكية في بناء أردن رقمي، مزدهر، ومستدام. ومن هنا، فإن الذكاء الاصطناعي في وزارة النقل ليس مشروعًا تقنيًا فحسب، بل ترجمة عملية لتطلعات وطنية عالية السقف يقودها قائد شاب وبتوجيهات من جلالة الملك أبو الحسين حفظه الله، ويعمل على تنفيذها مسؤولون متمكّنون، ووزارات ومؤسسات طموحة، وخاصة جامعاتنا الاردنية الرسمية منها والخاصة ، ووزارة النقل على رأس هذه المؤسسات.
* مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me