منذ زمن ليس بالقصير.. والجامعات الأردنية تواجه ظاهرةً تؤلم الوعي.. قبل أن تؤذي الجسد.. عنف جامعي يطل بين الحين والآخر.. يلطخ ثوب العلم بظلال الجاهلية.. ويزرع في ساحات المعرفة.. بذور التعصب والانقسام.. حتى غدت بعض المشاجرات.. أشبه بمعارك هوية.. لا مكان فيها للعقل.. أو الاحترام..

وفي الحادثة الأخيرة في الجامعة الأردنية.. الجامعة الأم.. التي كانت وما زالت مرآة الوطن.. كان لا بد من موقفٍ يليق بكرامة المكان.. وهيبة الرسالة.. فتم التحقيق بدقة وعدالة لا تشوبها شبهة.. وجُمعت الأدلة بوضوحٍ لا يحتمل التأويل.. فجاء القرار بفصل 21 طالباً تورطوا في العنف فصلاً نهائياً..

قد يبدو القرار قاسياً في ظاهره.. لكنه في جوهره.. عدلٌ يضع الأمور في نصابها.. لأن مَن لا يحترم قاعة الدرس.. لا يستحق أن يجلس على مقعدها.. ومَن يرفع يده على زميله.. فقد أسقط القلم من يده.. قبل أن تسقِط الإدارة اسمه من سجل الطلبة..

الجامعة ليست ساحةً لتصفية الحسابات.. ولا ميداناً للعشائرية.. بل هي منبر للعقل والتهذيب.. ومكان تتربى فيه الروح على الحوار.. لا على الصراخ.. لذلك فإن الحزم هنا ليس عقوبة.. بل حماية.. حماية لقراية خمسة وأربعين ألف طالبٍ وطالبةٍ.. يدخلون أسوار الجامعة كل صباحٍ بأحلامٍ كبيرة.. وقلوبٍ آمنة..

ولو تم التساهل مع مَن يسيء.. لكانت الفوضى هي المعلّم.. والخوف هو الحارس.. والعنف هو اللغة.. فكيف يُبنى وطنٌ تُهدم فيه قدسية العلم تحت ذريعة العاطفة؟!..

نحن بحاجةٍ إلى قراراتٍ شجاعةٍ كهذه.. تُعيد للجامعة هيبتها.. وللعلم مكانته.. وللنظام روحه.. فالقسوة في موضعها رحمة.. والحزم حين يُمارس في حرم العلم.. دفاعٌ عن قدسية الفكرة.. لا انتقام من الأشخاص..

تحية إجلالٍ وإكبارٍ لمعالي رئيس الجامعة الأردنية.. ولكل مَن وقف معه من إدارةٍ.. ولجانٍ.. وهيئة أكاديمية وإدارية.. لم يلتفتوا للضغوط.. ولم يخضعوا للعواطف.. بل انتصروا للمبدأ.. ورفعوا اسم الجامعة فوق كل حسابٍ ضيق..

هنيئاً لنا بمسؤولين وطنيين.. لا يبيعون هيبة التعليم بثمن المجاملة.. ولا يخافون في الحق لومة لائم.. فقد أثبتوا أن العلم إذا حُمي بالعدالة والحزم.. ظل منارةً لا تنطفئ.. وأن الجامعة الأردنية ستبقى بيتاً للمعرفة.. لا مأوى للفوضى.. وموطناً للعقول.. لا ساحةً للخصام..