دبلوماسية جلالة الملك والاستقرار في الشرق الأوسط
السفير الدكتور موفق العجلوني
21-10-2025 01:01 AM
في منطقة تتسم بالاضطراب وعدم اليقين، يبرز الأردن كركيزة استقرار وفاعل سياسي محوري، يقوده جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، حفظه الله الذي استطاع خلال أكثر من عقدين أن يرسّخ موقع الاردن كلاعب إقليمي يحظى بالاحترام والتقدير على الساحة الدولية.
الأحداث الأخيرة، وعلى رأسها قمة دول جنوب أوروبا (ميد 9)، شكّلت محطة جديدة تؤكد هذا الدور المتقدم للأردن ولجلالة الملك.
البيان الصادر عن قمة "ميد 9"، التي تضم تسع دول من جنوب أوروبا، عكس بوضوح النظرة الدولية للأردن، حيث وصفت القمة المملكة بأنها "شريك موثوق وذو مصداقية"، يُسهم بدور رئيسي في إرساء السلام والاستقرار في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط. هذا التصريح لا يأتي من فراغ، بل هو نتيجة عقود من السياسات المتوازنة التي انتهجها جلالةً الملك حفظه الله ، والتي جعلت من الأردن دولة ذات مصداقية لدى مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.
ما يميز جلالة الملك بشهادة زعماء العالم ، هو قدرة جلالته على الجمع بين الصراحة السياسية والاعتدال الدبلوماسي. فهو من القادة القلائل الذين احتفظوا بعلاقات متوازنة مع جميع القوى الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، و الصين وحتى مع الفاعلين الإقليمين …!!!
وقد برز هذا الدور مؤخرًا في الجهود التي بُذلت لوقف إطلاق النار في غزة، حيث كان الأردن جزءًا من الفريق الداعم للمفاوضات، إلى جانب الولايات المتحدة ومصر وقطر وغيرها من الدول. الأردن، بقيادة جلالةً الملك عبد الله، لم يكن مجرد مراقب، بل طرفًا فاعلًا حريصًا على إنهاء معاناة المدنيين الفلسطينيين، وإرساء تهدئة دائمة تؤسس لحل شامل.
و من أبرز ملامح السياسة الأردنية التي يحظى بسببها جلالة الملكً عبد الله بالاحترام، موقفه الثابت تجاه القضية الفلسطينية، ورفضه الدائم لأي إجراءات أحادية تمس الوضع القانوني والتاريخي في القدس، وخصوصًا ما يتعلق بالمقدسات الإسلامية والمسيحية. ويُنظر إلى الوصاية الهاشمية على هذه المقدسات كعامل استقرار في المدينة، وكمصدر للشرعية الأخلاقية والسياسية للدور الأردني في هذا الملف الحساس.
في السياق ذاته، رحّب بيان "ميد 9" برفض خطط ضم الضفة الغربية، وهو ما يتماشى مع موقف الأردن منذ البداية، الرافض لأي محاولة لتقويض حل الدولتين أو فرض وقائع على الأرض من شأنها إشعال جولة جديدة من التوتر.
إن الدعم والتقدير الأوروبي للأردن لا ينبع فقط من الجغرافيا السياسية أو المصالح الأمنية، بل من إيمان عميق بأن الأردن يشكّل نموذجًا للدولة المستقرة في منطقة مضطربة، ونقطة التقاء للحوار بين الحضارات. وقد كرّس جلالة الملك عبد الله هذا الدور من خلال حضوره المتواصل في المحافل الدولية، من الأمم المتحدة إلى المنتدى الاقتصادي العالمي، حيث لا يتردد في تقديم رؤية عقلانية وإنسانية لمعالجة أزمات الشرق الأوسط، سواء في سوريا أو العراق أو فلسطين أو لبنان.
وفي هذا السياق اشار قادة "ميد 9" إلى ضرورة أن يكون للفلسطينيين دور محوري في إدارة قطاع غزة، في إشارة ضمنية إلى ضرورة إشراك الجهات التي تحظى بالشرعية والدعم العربي، مثل اللجنة الإدارية الفلسطينية التي أُقرت في اجتماع الجامعة العربية بالقاهرة – وهو موقف يتماشى مع الطرح الأردني منذ بداية الأزمة.
كما دعا البيان إلى إشراك الاتحاد الأوروبي في "مجلس السلام"، وهو طرح يعكس توجهًا دوليًا لإعادة تشكيل هندسة السلام في المنطقة بمشاركة أطراف متعددة، وبما أن الأردن يتمتع بعلاقات متينة مع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والعالم العربي، فإن دوره سيكون محوريًا في هذه الترتيبات الجديدة.
إن التقدير الدولي المتزايد للدور الأردني، ولقيادة جلالةً الملك عبد الله تحديدًا، ليس وليد اللحظة، بل هو ثمرة سياسة متأنية، وعقلانية استراتيجية، ودبلوماسية تقوم على الحوار والبناء لا على الصدام والشعارات. وفي وقت تتهاوى فيه تحالفات، وتختفي أدوار تقليدية، يبقى الأردن نقطة التقاء ومركز توازن في إقليم تتصارع فيه الأجندات والمصالح.
جلالة الملك لا يقود فقط دولة، بل يُقدّم نموذجًا لقيادة عقلانية تعمل من أجل السلام لا من أجل الانتصار الآني، ومن أجل الاستقرار لا من أجل الاصطفاف. وهذا ما يجعل الأردن، برغم محدودية موارده، قوة ناعمة لا يُستهان بها في معادلات السياسة الدولية .
* السفير الدكتور موفق العجلوني
مدير عام مركز فرح الدولي للدراسات والابحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.m