حقيقة لم اتمالك نفسي وانا اتصحف أرشيف موقع التلفزيون الأردني واستمع لبرنامج ما زال يلامس ذاكرتي في بداية طفولتي المبكرة في منتصف ثمانينات القرن الماضي ، "كوخ الحكايات" برنامج الدمى بأزيائه الشعبية الأردنية حيث يقوم الجد الذي كان يقدم صوته الفنان الاردني صالح السقاف وهو يلبس شماغه الأحمر بقص حكاياته الطفولية التي تحمل العبرة البليغة للصغار ببراءة وعفوية تناسب سنهم ، ووقتها كانت برامج الدمى الطفولية منتشرة على شاشتنا الأردنية قبل بدء البث الفضائي وذلك بالتوازي مع مسلسلات "الأنمي" المدبلجة كما في برنامج قوس قزح للفنانة أمينة بزوقة وبرنامج دكان الأطفال للفنانيين عاكف نجم ومازن عجاوي وجمانة الطوال ، فضلاً عن برامج عربية كما في ملاعب الصغار للمذيع اللبناني الشهير الراحل حكمت وهبي وسمر الزين وكلها كانت تؤكد على الهدف التوعوي والتربوي فيما تقدمه.

وبالعادة لكوخ الحكايات وصوت الجد صالح السقاف الذي تميز بنبرته الجميلة التي تحاكي لهجتنا الأردنية لكبار السن فنغدو وقتها كجزء من القصة ونحن نشاهدها بفرح لنعرف نهايتها وعبرتها ، فقد تحول الفنان السقاف مع بداية التسعينات الى مهنة المتاعب الاعلام كمذيع صحافي في عدة محطات عربية واجنبية مشهورة منها مندوب لقناة الجزيرة القطرية في استراليا ونيوزلندا بين عامي 2001-2011 حيث اثبت نفسه كمهارة إعلامية باعتراف زملائه فضلا عن نشاطه الاجتماعي والمسرحي في اوساط المجتمع العربي في استراليا ، والسقاف كان نشيطاً في الحركة المسرحية الاردنية في نهاية سبعينات وبداية ثمانينات القرن الماضي حيث ساهم بتقديم مسرحية الورطة لتوفيق الحكيم وشواكيش وبراغي على مسرح اضواء الفن كذلك مسرحية الاطفال مظلوم والأسد.

الفنان السقاف عاش الفن الأردني الذي كان في تلك الفترة رقما محورياً ومهماً على خارطة الفن العربي لمكانته ومتابعة الجمهور العربي له ، فالأعمال الفنية الأردنية كان بمثابة "الجوكر" لنجاح شعبية محطات التلفزة العربية ، وقد زامل السقاف الكثير من فنانينا الذين صنعوا ذلك المجد من امثال الراحلين نبيل المشيني ومحمود مساعد وحسن ابراهيم فضلاً عن الفنانين زهير النوباني ومحمد العبادي وغيرهم ممن نبغوا في تلك الفترة ، وقد كان لبرامج الاطفال الاردنية الحصة الكبيرة في هذا النجاح كما في برامج الدمى التي سبق ذكرها فضلاً عن مسلسلات "الأنمي" المدبلجة التي اصبح لها بعد ذلك المساحة الاكبر في برامج الاطفال المرئية المختلفة.

شكراً لتلفزيوننا الأردني على هديته الجميلة التي طرقت كل جميل من اعماق طفولتنا ، وشكراً لفناننا الاستاذ مازن عجاوي الذي قابلته في ثقافة الزرقاء وذكر لي زمالته الجميلة مع الفنان صالح السقاف والتي وان فصل الزمن والجغرافيا بينهم فما زال يحفظ كل جميل عن ذكريات تلك الفترة الجميلة ، والشكر كذلك للفنان صالح السقاف بصوته المميز وشماغه الاحمر والذي استطاع بصدق فنه وجماله ان يلازم ذاكرتنا الطفولية العفوية رغم تعاقب الزمن واحداثه فكنا نراه حقيقة جد لنا ونحن نستمع لحكاياته.