73 عاماً للوظيفة الحكومية .. إلى أين يتجه مستقبل الشباب الأردني؟
طارق خميس أبو سليم
23-10-2025 02:42 PM
أثار تصريح رئيس هيئة الخدمة والإدارة العامة الذي قال فيه: " أن الأردني قد يحتاج إلى 73 عاماً للحصول على وظيفة حكومية إذا بقي الوضع كما هو عليه " موجة واسعة من الجدل، ليس فقط بسبب الرقم الصادم، بل بسبب دلالاته على وضع سوق العمل في الأردن وطبيعة التفكير الرسمي في معالجة ملف التشغيل، فهذا التصريححتى وإن كان مجرد تقدير تقني، إلا أنه يعكس حجم التحديات التي يواجهها الشباب الباحثون عن فرص عمل.
هذا التصريح ليس الأول من نوعه في هذا الملف؛ فقد سبق أن طرح تقدير رسمي في سنة 2021 ، أشار إلى أن استيعاب خريجي عام واحد فقط قد يحتاج إلى ما يقارب (8) ثماني سنوات، ويعيد تكرار مثل هذه التقديرات خلال فترات زمنية متقاربة طرح تساؤلات حول مسار معالجة هذا الملف، وما إذا كان النقاش ما يزال محصوراً في تشخيص المشكلة بدلاً من الانتقال إلى وضع حلول قابلة للتطبيق.
تشير بيانات هيئة الخدمة والإدارة العامة، ومن قبلها ديوان الخدمة المدنية، إلى أن مخزون طلبات التوظيف لديها لا يزال مرتفعاً منذ سنوات، في حين لا يتجاوز عدد التعيينات الحكومية السنوية نطاقاً محدوداً نتيجة سياسات ضبط النفقات وإعادة هيكلة الجهاز الحكومي، ومع ذلك، فإن التركيز المستمر على محدودية فرص التوظيف في القطاع العام دون تقديم بدائل واضحة يترك فراغاً في الرسالة الموجهة إلى الشباب، فالوظيفة الحكومية لم تعد قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الخريجين سنوياً، وهو ما تفرضه أيضاً طبيعة هيكل الإنفاق العام وأولويات الإدارة المالية للدولة، ومع أن هذا الواقع معروف ومتراكم منذ سنوات، إلا أن السياسات البديلة في مجال التشغيل لم تتبلور بشكل كافٍ حتى الآن لضمان فرص عمل حقيقية ومستدامة خارج القطاع العام، حيث يواجه سوق العمل الأردني مجموعة من التحديات المتداخلة، من أبرزها فجوة المهارات بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق، إذ تشير المؤشرات المهنية إلى ارتفاع الإقبال على تخصصات أكاديمية مشبعة مقابل انخفاض الاهتمام بالتخصصات التقنية والمهنية التي تشهد طلباً أكبر من قبل أصحاب العمل، دون تطوير منظومة الإرشاد المهني والتعليم التطبيقي، سيبقى جزء كبير من الباحثين عن عمل غير قادرين على المنافسة في السوق.
كما أن القطاع الخاص، الذي ينبغي أن يكون المحرك الأساسي للتشغيل، لا يزال يواجه تحديات تتعلق بكلفة التشغيل والإجراءات الإدارية وضعف الحوافز، في حين يشير أصحاب الأعمال إلى أن البيئة التشغيلية بحاجة إلى مراجعة تشريعية وتنظيمية لضمان قدرتها على استقطاب العمالة الأردنية بشكل أوسع وتحفيز التوسع في الاستثمار المحلي والإقليمي.
وفي ظل هذه المعطيات، تصبح الحاجة ملحة لسياسة تشغيل وطنية واضحة تستند إلى تنويع مصادر فرص العمل بدلاً من الاعتماد الكامل على الوظيفة الحكومية، ويمكن في هذا الإطار التوجه نحو تطوير برامج تدريب موجهة للقطاعات ذات الطلب الحقيقي، وتوسيع الشراكات مع القطاع الخاص، وتوفير تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم الريادة الاقتصادية باعتبارها من أهم مصادر توليد فرص العمل في الاقتصادات الحديثة.
إن تحسين فرص التشغيل يتطلب مراجعة أعمق للسياسات التعليمية والتدريبية، وربط مخرجات الجامعات والمعاهد بمتطلبات السوق، ودعم التعليم المهني والتقني باعتباره خيارًا وظيفيًا حقيقيًا وليس بديلاً ثانويًا، والعمل على تعزيز الثقافة والإثارة وتشجيع العمل في القطاعات الاقتصادية الجديدة مثل التكنولوجيا والطاقة والخدمات اللوجستية والسياحة المتخصصة، فلا أحد ينكر حجم التحديات، لكن الواقع الاقتصادي والتشغيلي في الأردن يحتاج إلى إدارة مختلفة تقوم على تحويل التحديات إلى خطط عمل قابلة للتنفيذ والتقييم، ومن المهم أن يرافق ذلك خطاب رسمي واضح يقدم رؤية عملية بدلاً من الاكتفاء بطرح أرقام أو توصيات عامة تكشف المشكلة دون أن تشير إلى حلول واقعية يمكن التعامل معها؛
لاشك بأن المصارحة يمكن أن تساهم في فهم حجم التحدي، لكن المسؤولية تقتضي أن تكون مصحوبة بمسارات تنفيذية واضحة، والتعامل مع ملف التشغيل لا ينبغي أن يبقى في إطار التحذير من المشكلة، بل يجب أن يتحول إلى فرصة لإعادة تنظيم سوق العمل الأردني بما يضمن واقعية، فالفرص لا تخلق بالصدفة، وتقع من خلال رؤية واضحة، والمطلوب اليوم أن تقدم الجهات الرسمية رؤية عملية للإجابة على السؤال الأهم لدى الشباب: ما هي الخطوات والإجراءات لتحسين فرص العمل وتنظيم سوق العمل الأردني؟