facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التعليم الأردني من الرقمنة إلى الهندسة


د. أميرة يوسف ظاهر
25-10-2025 08:55 AM

لم تعد المسألة مجرد إدخال أدوات رقمية إلى الفصول الدراسية، بل أصبحت عملية إعادة تخيل جذرية لوظيفة المدرسة في زمن الذكاء الاصطناعي، فيقف التعليم الأردني اليوم على عتبة تحول مصيري: إما أن يبقى أسير التلقين والنمطية، أو يتحول إلى فضاء حيوي لإنتاج المعرفة، إذ تبنى فيه شراكة خلاقة بين العقل البشري والآلة الذكية.

المبادرات الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي تمثل بدايات طموحة لهذا المسار، ومن بين المبادرات الأردنية التي بدأت تستكشف هذا الأفق مبادرة “سراج”، التي يمكن أن تشكل نقطة انطلاق نحو بناء منظومة وطنية متكاملة للذكاء الاصطناعي التربوي، إذا ما تم توجيهها بفلسفة تعلمية تجعل التقنية وسيلة لإعادة هندسة التعليم لا غاية رقمية بحد ذاتها. غير أن الخطر الحقيقي يكمن في أن يختزل الذكاء الاصطناعي في أدوات ومنصات، بينما جوهر التحول المطلوب يبدأ من الفلسفة التربوية التي تعيد تعريف غاية التعلم ودور المعلم والمتعلم فيه، المطلوب أن تتحول المدرسة من مكان للإملاء إلى مختبر للاكتشاف، وأن يصبح التعلم فعل بحث وحوار، لا تلقين واستظهار، عندها فقط يصبح الذكاء الاصطناعي محفزا للفكر لا بديلا عنه.

في هذا الإطار يتبدل موقع المعلم من ناقل للمعرفة إلى مصمم للتجربة التعليمية، لم تعد مهمته حشو العقول بالمعلومات، بل هندسة مواقف تعلم تشعل الفضول وتطلق التفكير النقدي، وهو دور يتطلب كفاءة جديدة تقوم على “فن الحوار مع الآلة”؛ كيف يوجه السؤال لينتج فكرة؟ وكيف يدير التفاعل بين الطالب والخوارزمية ليصبح الحوار وسيلة للتعلم لا مهربا منه؟ إن تمكين المعلم بهذه المهارة سيجعل الذكاء الاصطناعي شريكا في رفع جودة التعليم لا عبئا إضافيا عليه.

ولتحقيق ذلك لا نحتاج إلى قفزة شاملة بقدر ما نحتاج إلى نموذج تطبيقي مرن يبدأ من مدارس مختارة تمثل التنوع الجغرافي والاجتماعي في الأردن، مدارس تجريبية تطبق حزما ذكية تجمع بين أنشطة قائمة على المحاكاة والاستقصاء، وبرامج تدريب عملية للمعلمين في هندسة الحوار مع التقنية، وأدوات تقييم جديدة تقيس مهارات التحليل وحل المشكلات لا الحفظ وحده.، هذه النماذج ستكون بمثابة معامل تفكير وطنية تنتج الأدلة التي تبنى عليها السياسات، وتتيح تعميم النجاح تدريجيا على باقي المدارس.

لكن أي تحول من هذا النوع لا يكتمل دون إطار أخلاقي ناظم، فالذكاء الاصطناعي في المدرسة يجب أن يستند إلى عقد اجتماعي جديد يضمن حماية البيانات، وصون الخصوصية، واحترام الأصالة الفكرية؛ ميثاق وطني يرسخ ثقافة النزاهة والشفافية، ويحول التقنية من خطر محتمل إلى ضمانة أخلاقية لتعليم مسؤول وعادل.

إن الذكاء الاصطناعي في التعليم ليس مشروعا تقنيا، لكنه فرصة لإعادة تعريف معنى التعلم نفسه، وإعادة الاعتبار للعقل كمنطلق لأي إصلاح تربوي، فالمستقبل لن يقاس بعدد الأجهزة في المدارس، بل بعدد العقول التي نجحنا في تدريبها على التفكير النقدي والإبداعي، إن إعداد الطالب ليكون شريكا في تطوير الذكاء الاصطناعي، لا مجرد مستخدم له، هو جوهر الريادة التي تستحقها التربية الأردنية، وحين تصبح المدرسة مختبرا للتفكير والإبداع، لا مكانا للحفظ والتكرار، نكون قد بدأنا فعلا كتابة فصل جديد من قصة التعليم في الأردن؛ فصل عنوانه: الإنسان أولا والتقنية في خدمته.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :