الأردن كنموذج لدولة قائمة على فكرة: نحو مشروع وطني يمكن تصديره
د. بركات النمر العبادي
26-10-2025 11:45 AM
"الدولة التي بُنيت على فكرة " رؤية أردنية لنهضة قائمة على الاعتدال والاستقرار
في عالمٍ يتقلّب على نار الجغرافيا والموارد ، تُولد بعض الدول لا من رحم القوة ، بل من رحم الفكرة ، تُبنى ببطء ، بهدوء ، بحكمة ، وكأنها تكتب قدرها بسطرٍ رزين وسط فوضى الصخب ، والأردن، هذا الكيان الذي وُلد بين رمال الصراع وحدود الطموحات الكبرى ، لم يكن كغيره دولة نبتت من انتصار عسكري أو وفرة نفطية ، بل دولة تَشكَّلت من فن الممكن السياسي ، ورجاحة الاتزان، وصلابة الاعتدال.
لقد علَّمتنا الجغرافيا أن الدول التي تُقام على فكرة ، تعيش أطول من تلك التي تقوم على الانفعال ، والأردن ، في قلب العواصف ، ظلّ كالسفينة الصغيرة التي تقودها بوصلة ، لا ريح ، لم يتكئ على ثقل السلاح ، بل على رأسمال الثقة ، وحكمة التوازن ، وشرف الدور الوسيط.
في هذا الزمن العربي المضطرب ، حيث يُقصي البعض بعضه ، ويتنازع الخطاب ما بين الغلوّ والانكفاء ، يُطل الأردن بمساره الخاص ، مشروعًا ناعمًا وممكنًا لدولة تُعيد تعريف القوة : قوة الاستقرار ، لا القمع... قوة الشرعية ، لا الاستعراض... وقوة الرسالة ، لا الامتداد.
إنها ليست دعوة للتأمل فقط، بل طرح لرؤية: كيف يمكن لدولةٍ صغيرة المساحة ، محدودة الموارد ، أن تبني نموذجًا كبيرًا في قيمته ، عميقًا في أثره ، وأن تُعيد تعريف معنى "الدولة الفكرة" في عصر تتراجع فيه المعاني.
و في زمن تتنازع فيه الأمم على الأرض والثروات ، تقف بعض الدول على عتبة مختلفة : دول لم تُبنَ على مناجم الذهب أو سواحل النفط ، بل على فكرة ، والفكرة — حين تكون واضحة ، عادلة ، قابلة للعيش — تتحول إلى وطن ، ثم إلى رسالة ، ثم إلى نفوذ.
هكذا ولدت الولايات المتحدة ، لا كإمبراطورية غازية ، بل كمشروع يحمل وعدًا للبشرية ، كما انه ليست كل الدول تُبنى على الفتح أو الثروة أو الغلبة ، ثمة دول نادرة لا يُولد مجدها من انفجار في الجغرافيا ، ولا من طفرة في التاريخ ، بل من فكرة... فكرة تبدأ همسًا في وجدان شعب ، ثم تُصبح صوتًا في وجدان أمة ، ثم تتحول إلى مشروع قابل للعيش ، والبقاء ، والتأثير.
هكذا يمكن للأردن أن يُقرأ: دولة لم تُؤسَّس على فائض الثروات ، ولا على امتداد السلاح ، بل على هندسة دقيقة لتوازن داخلي هش ، استحال مع الزمن إلى نموذج للاستقرار المحكوم بالعقل والشرعية والتماسك.
وفي زمن يُستهلك فيه الخطاب المتطرف ويُستنزف فيه صوت الحكمة ، يبرز الأردن كدولة تعرف كيف تكون هادئة دون أن تكون ضعيفة ، وكيف تُراكم التأثير من غير أن تفرضه.
هي ليست دعوة إلى تمجيد اللحظة ، بل نداء إلى تحويل التجربة الأردنية إلى مشروع فكري–سياسي متكامل ، يُجسّد أن العالم العربي لا يزال قادرًا على إنتاج نماذج عقلانية ، متوازنة ، قابلة للتصدير، وقادرة على الإقناع.
الأردن كحالة استراتيجية قابلة للتصدير//الفرضية الاستراتيجية: لأردن يمتلك مقومات دولة نموذجية إذا ما بُني مشروعه الوطني على فكرة مركزية واضحة، تجمع بين:
• الهوية الوطنية
• الاستقرار السياسي
• الاعتدال الفكري
• الدور الوسيط في الإقليم
• الشرعية التاريخية
٢. مضمون الفكرة الأردنية : "الأردن هو الدولة التي تُظهر أن الاعتدال يمكن أن يكون قوة ، وأن التعدد يمكن أن يُبنى عليه وطن ، وأن القيادة الهادئة أكثر أثرًا من الخطاب العالي." وفكرة الأردن يمكن صياغتها بثلاثة محاور:
• مواطنة بلا محاصصة
• هوية بلا إقصاء
• دولة بلا تطرف ولا فوضى
3- لتحولات المطلوبة لاستثمار الفكرة:
أ. داخليًا:
• تطوير المناهج لتُعزّز "الرواية الأردنية الوطنية".
• إصلاح تدريجي سياسي – إداري - يُعيد تشكيل العقد الاجتماعي.
• تنمية اقتصادية قائمة على الريادة والعدالة والتكنولوجيا.
ب. خارجيًا:
• إطلاق مؤسسات فكرية – دبلوماسية ، تُروّج للفكرة الأردنية (معاهد، منتديات، مراكز أبحاث).
• دور أردني ريادي في الوساطة الإقليمية.
• تسويق الأردن كبيئة مستقرة للاستثمار والفكر والمبادرة.
4- الأدوات اللازمة:
التعليم / إصلاح المناهج، إنشاء أكاديميات قيادية، تعزيز التفكير النقدي .
الاعلام / حملة سردية وطنية لتعزيز الصورة الذهنية داخليًا وخارجيًا .
الاقتصاد / مشاريع ريادة أعمال ، جذب استثمارات نوعية ، مناطق اقتصادية ذكية.
العلاقات الدولية / دبلوماسية نشطة متعددة الاتجاهات ، مع تأكيد الدور العربي والدولي الوسيط .
الأردن لا يسعى لأن يكون "أمريكا الشرق"، بل أن يكون نفسه : دولة ذات رسالة ، نموذجًا عربيًا يتحدث لغة العصر دون أن يتخلى عن جذوره ، الفكرة الأردنية ليست تصدير للقوة ، بل تصدير الأمل ، والاعتدال ، والتوازن ، وإذا كانت أمريكا قد بُنيت على حلم ، فالأردن قادر أن يُبنى على رؤية ، رؤية تصنع من التعدد ثراء ، ومن الجغرافيا فرصة ، ومن القيادة مشروعًا حضاريًا قابلًا للتصدير وفكرة تحتذى .
حمى الله الاردن وسددعلى طريق الخير خطى قيادته وشعبه