يفصل البعض بين الانتخاب بالتزكية والانتخاب بالاقتراع، وهذا فصل لا مبرر له، فالانتخاب اختيار وتعبير عن إرادة ناخب صريحة كانت أم ضمنية، فحين تتجه إرادة الهيئة الناخبة بالإجماع بعدم الترشح لمركز قانوني ما في وجود مرشح وحيد، فهذا مفاده أنها تنازلت عن وظيفتها أو حقها بالاقتراع وليس الانتخاب، ففي مثل هذه الحالات وجب التفريق بين الاقتراع والانتخاب، فالتزكية ليست اقتراع بالمعنى الحقيقي، لكنها وسيلة انتخاب ولا تخرج عن صور الانتخاب.
لكن، ما دلالات الفوز بالتزكية في العملية الانتخابية ؟
إن الفوز بالتزكية نتيجة، لتفاهمات وحوارات وقناعات سابقة لعملية اختيار من يشغل المركز القانوني بين أطياف الهيئة الناخبة، وهي بالمناسبة قد تكون اصعب من الإقتراع، ولعل المتابع لانتخابات رئاسة مجلس النواب الاردني العشرين، قد لاحظ انها جرت بالتزكية في بداية الدورة العادية الثانية من عمر المجلس، وقد مارس اعضاء مجلس النواب حقهم باختيار رئيس جديد "المرشح الوحيد" ولم يبد أي منهم رغبته بالترشح لموقع الرئيس، وهذا يعني أن إرادتهم جميعا اتجهت بتزكية المرشح الوحيد لموقع الرئاسة، وهذا اختيار سلكه المجلس من دون عملية اقتراع مكتوبة، بل بإرادة ضمنية اتجهت بعدم منازعة اي منهم موقع الرئاسة مع المرشح الوحيد.
وعلى هذا الأساس فانتخاب رئيس مجلس النواب بالتزكية، ليست ردة عن الديمقراطية كما يحاول البعض أن يصفها، لكنها صورة راقية من صور الانتخاب الذي يُعد وسيلة إسناد سلطة لمركز قانوني ما، فإذا كان الفوز يقاس بالنسب المئوية كأن تقول إن نسبة فوز المرشح ( عدد الأصوات التي حصل عليها من مجموع الناخبين ) كانت مثلا 60% او 90% فإن انتخاب رئيس مجلس النواب الاردني كانت نسبة الفوز به 100%، واخيرا قد يسأل سائل أن هناك من أعضاء المجلس لم يكن راغبا بأن يكون المرشح الوحيد رئيسا لمجلس النواب، وهذا ممكن وصحيح، لكنه لم يعبر عن إرادته هذه بشكل صريح ولم يسلك طريق أن يطرح نفسه مرشحا للموقع، فهو لم يفعل وحتى إن فعل لن يغير من النتيجة شيء، وقد جعل من هذا التساؤل دفينا في جوفه، وهذا ما لا نستطيع أن نناقشه او نكتب عنه.
* استاذ القانون العام المساعد