رئيس الوزراء .. الكفاءة معيار النجاح
د. ضرار غالب العدوان
02-11-2025 09:28 AM
بعد مضي قرابة عام على صدور الإرادة الملكية السامية بالموافقة على تشكيل الدكتور جعفر حسان حكومة جديدة، فإن الوقت قد حان الآن للتحدث عن دور حكومته وتفانيها وحرصها الدؤوب على ترجمة توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني الرامية إلى المضي قدماً في تنفيذ مشروع التحديث السياسي والإقتصادي والإداري الشامل، والذي تم إطلاقه بالتزامن مع إحتفالات الدولة الأردنية بتدشين مئويتها الثانية.
وعلى غير العادة فإنني سأتطرق في هذا المقال فقط عن جهود حكومة الدكتور جعفر حسان المبذولة في سبيل تنفيذ مسار التحديث الإداري ، والذي كان ومازال في قمة أولوياتها، ومرد ذلك هو أن رئيس الحكومة قد أمضى سنوات عدة وهو مديراً لمكتب جلالة الملك المعظم، وهذا يعني بأن دولته على دراية مطلقة بمدى حرص جلالته على المضي قدماً بجرأة وقوة في عملية الإصلاح الإداري ومأسستها، وذلك لمعالجة ما إعترى إدارتنا العامة من ثغرات أو إختلالات، وتخليصها من كافة مظاهر البيروقراطية والترهل والتسيب والإتكالية، وذلك إنطلاقاً من مبدأ بأن لا تنمية سياسية أو إقتصادية بدون نجاح مسار التحديث الإداري بشكل موازٍ.
ولعل إن الطريق القويم الذي سارت عليه الحكومة - بتوجيه وإشراف مباشر من لدن جلالة الملك عبدالله الثاني - وذلك بهدف النهوض بالقطاع العام، والسير به نحو معارج التطور والتقدم، قد كان يرتكز بالمقام الأول على إعادة النظر بالأسس السابقة، والتي كان يتم بناء عليها التعيين بالوظائف الحكومية، وبخاصة في المناصب القيادية العليا في مؤسسات الدولة المدنية.
أنا أمانة المسؤولية تحتم على كل كاتب صحفي أن يشير إلى الإنجازات التي يتم تحقيقها، وليس فقط تسليط الضوء على السلبيات وإنما ينبغي عليه تعظيم الإنجاز وفي ذات الوقت الإشارة إلى مواطن الضعف والخلل، وذلك بهدف تصويبها، وأن يكون النقد على البرامج والسياسات وليس على الشخصيات.
ومنذ تشكيل الحكومة قام مجلس الوزراء بضخ دماء جديدة في مختلف مفاصل أجهزة الدولة، وبحكم دراستي لعلم الإدارة لدي يقين مطلق بأن حكومة جعفر حسان قد إستندت في التعيينات التي قامت بها على قواعد محكمة حددت ماهية الشروط والمؤهلات الواجب توافرها لتولي الوظيفة الحكومية، وبخاصة في المناصب القيادية العليا، والتي تحدد المهام والأدوار والكفايات المطلوبة، وتوجيهها نحو تلبية الإحتياجات الفعلية، وذلك وفق دراسة دقيقة مبنية على معايير شفافة تحدد ما مدى قدرة الموظف أو المسؤول على أداء العمل المنوط به، هذا فضلاً عن مدى كفاءته في بلوغ الأهداف الموكل إليه تحقيقها بدقةٍ وإتقانٍ.
وإستناداً إلى هذه المنهجية الإدارية القويمة ، والتي أختطها جلالة الملك فإن جميع الذين تولوا مناصب قيادية، وذلك بقرار من مجلس الوزراء الحالي، قد كانوا على قدر عالٍ من الكفاءة، وأستحقوا بجدارة تولي مهام المنصب الذي تسلموه، وينبغي علينا أن نتذكر هنا بأن هناك لجنة وزارية متخصصة تنسب إلى مجلس الوزراء بالتعيين، وذلك بعد إجراء مسابقة لإختيار الأنسب والأصلح والأكفأ ، طبقاً لقواعد الكفاءة والأهلية والخبرة والنزاهة والقدرة على تحمل المسؤولية ، بعيداً عن أشكال الواسطة والمحسوبية والشللية ، أو مظاهر التميز أو الاستثناء ، أو سياسة المحاباة والإسترضاء ، والتي قادتنا إلى هذا الواقع الإداري المرير ، والذي بدأنا نتعافى منه بالتدرج ، وذلك بفعل إصرار دولة الرئيس على على تنفيذ توجيهات جلالة الملك بإنجازه اليوم قبل الغد .
ولا يفوتني في هذا المقام الإشادة بقدرة دولة الدكتور جعفر حسان في تنفيذ توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني للحكومة في إعداد برامج لإعادة بناء القدرات المؤسسية للعاملين في القطاع العام ، وتجديد كفاياتهم وتدريبهم تدريباً مؤسسياً وفنياً وتقنياً ، وتسليحها بالمهارات والخبرات العملية اللازمة ، ورفدها الكفاءات البشرية المؤهلة والمدربة ، وتزويدها بالأجهزة الحديثة المتطورة ، وإطلاعها على أفضل الممارسات والتجارب العالمية ، وذلك لكي تصبح مدخلاً لمواكبة ومجاراة متطلبات ومعطيات هذا العصر الحداثي المعولم ، والذي يتميز بالتطور الجارف والمتسارع ، فدولة الرئيس مؤمن أن ما كان عصرياً قبل عدة سنوات ، قد أصبح اليوم تقليدياً ، ولا يفي بالغرض ولا يحقق الغاية المنشودة .
وينبغي أن لا يغيب عن أذاهننا لحظة واحدة أن توجيهات جلالة الملك وسمو ولي العهد المستمرة للحكومة بضرورة تفعيل آليات المحاسبة والمساءلة ، وذلك ليكون الموظف أو المسؤول - كائناً من كان - خاضعاً للرقابة ، وأن يتم تقييم آدائه طبقاً لمستوى حجم الإنجاز والقدرة على تحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقه،
وهكذا يتم مكافأة المبدع ومعاقبة المقصر ، ليس هذا فحسب ، وإنما كرس دولة جعفر حسان ما ينادي به جلالة الملك مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في التعيين والترقية ، وذلك إنطلاقا من قناعه راسخه تكونت لدى دولته - وذلك بحكم عمله كمدير لمكتب جلالة الملك لفترة طويلة - أن هذه المعايير والمقاييس والقواعد من أهم مقومات الإدارة العامة الحصيفة ، وتنعكس آثارها الإيجابية على مختلف مناحي الحياة العامة ، وذلك إنطلاقاً من مبدأ أن لا تقدم ولا إزدهار دون تكريس نهجها ، بل وأكثر من ذلك يقتنع دولة الرئيس بأن مكاننا سيكون ذيل القافلة، ولن نتقدم إلى الأمام قيد أنمله ، إذا ما تجاهلنا ذلك .
وينبغي علينا لفت الإنتباه إلى أن الشغل الشاغل لدى دولة جعفر حسان في المرحلة المقبلة ، هو إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة وتفريغه من الحمولة الزائدة ، وتحرير الجهاز الإداري الحكومي من القيود التي تعيق تقدمه وتطوره ، وذلك لنعيد لإدارتنا العامة وجهها المشرق ودورها الريادي في مسيرة البناء والنماء والإنجاز ، لا سيما إذا ما علمنا أن هذا القطاع رافداً رئيساً من روافد التنمية الوطنية المستدامة ، بأبعادها المختلفة ومفهومها الشامل .
اخيراً وليس أخرآ فإن رسالة دولة رئيس الوزراء لجميع المسؤولين أن العمل عبادة والمسؤولية أمانة مقدسة، ونتاج كل ذلك مواطنة صالحة، وانتماء حقيقي للوطن، وولاء صادق ومطلق للقيادة، ويزين كل هذا وذاك روح التعاون والعمل بروح الفريق الواحد بناءً يشد بعضه بعضا، يقول دولته بملء فمه إلى كل من يتقاعس عن أداء الواجب، أو من لا يقدر أو يقوى على العمل لخدمة الوطن والمواطن، أو ان يتحمل أعباء أمانة المسؤولية، أو أن يكون أهلاً للمنصب الذي يشغله، فليترك مكانه بروح وطنية راضية لمن هو أجدر وأقدر على البذل والعطاء، لأن مصلحة الوطن والمواطن هي العليا، وفوق كل المناصب والاعتبارات، أن اي تقصير أو تباطؤ هو موضع المحاسبة والمساءلة كائناً من كان ٠