بشر الخصاونة .. فيضُ الالتزام وذاكرةُ التحديث
محمد علي الزعبي
02-11-2025 03:25 PM
كمطلع يتابع مسار الحكومات الأردنية المتعاقبة، قد نختلف في الرأي أو النقد والتحليل أو نختلف في منظومة عمل الحكومات، لكن أجد أن مرحلة حكومة دولة الدكتور بشر الخصاونة كانت إحدى العلامات الفارقة في تاريخ الإدارة الأردنية الحديثة، إذ شكّلت حلقة متينة في مسار التحديث الذي أطلقه جلالة الملك عبدالله الثاني كخطة وطنية ثلاثية الأبعاد،، سياسية، واقتصادية، وإدارية.
لقد حملت تلك الحكومة على عاتقها مسؤولية التنفيذ في زمنٍ دقيقٍ من عمر الدولة، حيث كانت الحاجة ملحّة إلى عقلٍ هادئٍ ومنهجٍ منضبط يعيدان للدولة توازنها بعد سنواتٍ من التحوّلات والتحديات، فجاء الخصاونة رجل الدولة الهادئ، الذي تعامل مع الملفات بعمقٍ قانونيٍّ وفكرٍ مؤسسيٍّ لا يعرف المساومة على المبدأ.
في قراءتي لتلك المرحلة، يمكن القول إن حكومة الخصاونة كانت الأكثر التزامًا بروح التحديث الملكي، حيث ترجمت الرؤية إلى واقعٍ ملموسٍ في ملفاتٍ جوهرية.
في التحديث السياسي، فتحت الباب أمام الحياة الحزبية المنظمة ورسّخت قاعدة المشاركة الواعية،، وفي التحديث الاقتصادي.. أعادت ترتيب أولويات الدولة حول الإنتاج والاستثمار والنمو المتوازن، وفي التحديث الإداري،، أطلقت حراكًا إصلاحيًا داخل المؤسسات، ركّز على الأداء والكفاءة وربط المنصب بالمساءلة لا بالوجاهة.
ما ميّز تلك الحكومة أنها لم ترفع الشعارات بقدر ما طبّقت المفاهيم، فكان نهجها قائمًا على بناء مؤسساتٍ قوية، لا صناعة مشهدٍ عابرٍ يرضي الرأي العام مؤقتًا، أدرك الخصاونة أن الدولة الحديثة تُبنى بالثقة والإنجاز والانضباط، لا بالخطاب العاطفي أو المواقف اللحظية، ولهذا ظلّ في ذاكرة الأردنيين رئيسًا هادئًا، جادًا، مؤمنًا بفكر الملك، يرى في الإصلاح واجبًا وطنيًا لا مجاملةً سياسية.
رحلت الحكومة، لكن بصماتها ظلّت واضحة في هيكل الإدارة العامة، وفي منهج العمل الذي سار عليه من بعدها من تولّى المسؤولية، لقد وضعت حكومة الخصاونة الأساس الفني والمؤسسي لمسار التحديث الأردني الحديث، ورسّخت فكرة أن الإصلاح ليس قرارًا حكوميًا، بل مسار دولةٍ متجذرٍ في فكر القيادة الهاشمية.
واليوم، ومع انتقال الدفّة إلى حكومة دولة الدكتور جعفر حسان، نرى الامتداد الطبيعي لذلك النهج، فحكومة جعفر حسان تمضي بخطى ثابتة نحو بناء منظومة العمل والتخطيط الوطني، مستندةً إلى ما بُني سابقًا من قواعد، ومضيفةً إلى ذلك روحًا تنفيذية متقدمة تتعامل مع الملفات برؤية هندسية واقتصادية دقيقة، وبفكرٍ إداريٍّ يعيد صياغة مفهوم الإنجاز الحكومي، هي حكومة تُترجم الرؤى الملكية لا بالتصريحات، بل بالأفعال والنتائج، وتعمل على تثبيت مؤشرات التحديث كنهج مستدامٍ لا يتوقف بتبدّل الحكومات.
فأنا من خلال رصدي أتابع هذا المسار منذ بدايته، أرى أن حكومة بشر الخصاونة كانت القاعدة، وأن حكومة جعفر حسان هي الامتداد الطبيعي لها في البناء والتطبيق؛ فالأولى أرست المنهج، والثانية تفعّله بخطى مدروسة وثابتة نحو المستقبل، وبين المرحلتين، يبقى الأردن ماضيًا بثقة في مشروع ملكه الكبير ، تحديث الدولة وبناء الإنسان، بثبات القيادة ووعي الحكومات المتعاقبة.