facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




قراءة حقيقية لانتخاب عمدة مسلم لنيويورك


محمود الدباس - أبو الليث
05-11-2025 03:24 PM

لم يكن انتخاب عمدة مسلم لمدينة نيويورك.. حدثاً عابراً يمكن الاكتفاء بتصنيفه تحت عنوان الانتصار الرمزي.. فقد يكون الأمر أعمق من احتفال سريع.. وأوسع من نشوة لحظة.. إذ تتداخل في المشهد طبقات اجتماعية وسياسية وثقافية.. تجعل من تفسيره خطوة تحتاج لقدر من التأمل.. لا إلى انفعالٍ يفضي إلى استنتاجات قاطعة.

فالمجتمع الأمريكي نفسه.. لم يعد كتلة متجانسة كما يبدو من الخارج.. بل هو فسيفساء واسعة لأعراقٍ وتجارب وذاكرات مختلفة.. هذه الفسيفساء أنتجت احتياجاً لخطابٍ جديد.. لا يشبه الخطابات المؤسسية المعتادة.. خطاب أقرب إلى الشارع.. وإلى نبض اليوم العادي.. حيث يعيش الناس مشكلاتهم مع السكن والصحة والأمن والعمل.. لا مع الشعارات الكبرى فقط.

ومع هذا التعدد الحي.. تتشكل طبقات أخرى للفهم.. لا تُرى إلا من قلب الشارع نفسه.. فهؤلاء الذين عاشوا في نيويورك.. يعرفون أن الشارع هناك لا يشبه الشاشات.. هناك تتجاور الكنائس والمساجد مع البارات.. وتلتقي لغات العالم في محطة مترو واحدة.. تتصادم الأفكار.. ثم تتعايش بطريقة أغرب من أن تُشرح.. وهذا التنوع يخلق فراغاً في النظام التقليدي.. فمراكز القوى وإن بقيت قائمة.. إلا أنها مضطرة للتعامل مع موجات قادمة من الوعي الجمعي الجديد.. ليس حباً بالعدالة.. بل حفاظاً على استقرار النظام.. لأن تجاهل الشارع يعني انفجاراً يصعب إطفاؤه.

ومن ناحية النظام السياسي.. فقد يكون انتخاب هذه الشخصية جاء في سياق محاولة امتصاص موجات غضب متصاعدة في الداخل الأمريكي.. خاصة بعد أن باتت المعلومات تتدفق دون فلاتر تقليدية.. ومع انكشاف الدم على الهواء مباشرة.. فقد يكون الضمير هناك بدأ يتحرك.. ولو ببطءٍ ثقيل.. تحرك لا يعني انقلاباً فكرياً شاملاً.. بل مجرد اهتزاز في القناعة القديمة.. التي ظلت لعقود تتغذى على رواية واحدة لا نداً لها.

ومن ناحية الشارع في نيويورك تحديداً.. فقد يكون هذا الشارع رأى في الرجل ما يشبه صوته.. أو انعكاس تجربته.. أو صدى شعوره.. لا لأنه فقط مسلم.. أو داعم لقضية بعينها.. بل لأنه بدا أقرب إلى التجربة الحقيقية من ذلك السياسي.. الذي يتكئ على لغة مُلمعة.. لا تترك أثراً في القلب.. فالناس هناك يختبرون الصدق بالفعل.. لا بالبيان.

وقد يكون الأمريكي البسيط.. ليس عدواً للفلسطيني بطبيعته.. بل عدوه الحقيقي هو التضليل الإعلامي.. الذي طال عقوداً.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا.. هل يمكن فصل تصريحاته الداعمة للقضية الفلسطينية.. عن قدرته العملية على إدارة مدينة كبرى؟!.. قد يكون الجواب مرتبطاً بميزان دقيق بين ما يقوله الإنسان.. وما يقدر على تنفيذه.. بين قدرة القيم على التعايش مع ضرورات الواقع.. وبين مساحة الحركة المتاحة داخل شبكة معقدة.. من المصالح ومراكز النفوذ.

فنجاحه حتى الآن.. قد يكون ناتجاً عن شعور الناس بأن فعله لم يخالف كلامه.. وأنه حاول أن يجعل من موقعه العام.. مساحة اختبارٍ لأفكاره.. لا منصة عرضٍ لها فقط.. لكن استمرار هذا النجاح.. سيعتمد على مدى قدرته على الحفاظ على هذا التوازن الدقيق.. دون أن يتحول إلى حالة رمزية فقط.. ودون أن تبتلعه ماكينة السياسة.. التي لا ترحم مَن يغفل قوانينها.

وهكذا.. يبقى المشهد مفتوحاً على احتمالات متعددة..
فقد يكون ما حدث بداية تحول أوسع في الوعي الأمريكي..
وقد يكون محاولة تكيف من النظام أمام موجة متغيرة..
وقد يكون مجرد لحظة عابرة في مسار طويل لا يتغير بسهولة..

والزمن وحده.. لا الشعارات.. هو الذي سيجيب عن السؤال الأكبر.. هل كان هذا الحدث بوابة تغيير.. أم مجرد صدى لصوتٍ خافت حاول أن يتكلم للحظة؟!.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :