facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الاقتصادات العربية غير النفطية بين الحاجة إلى الإصلاح الحقيقي ومخاطر التأخر


د. حمد الكساسبة
08-11-2025 05:30 PM

تمرّ الاقتصادات العربية غير النفطية بمرحلة دقيقة تتجاوز حدود الأرقام إلى عمق العلاقة بين النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. فقد بلغت نسبة البطالة نحو 11٪ عام 2024، فيما ارتفع متوسط المديونية العامة إلى قرابة 80٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وسجّل عجز الحساب الجاري نحو 5٪، في حين لم يتجاوز معدل النمو الاقتصادي 2.5٪ في المتوسط. وتكشف هذه المؤشرات هشاشة القاعدة الإنتاجية واتساع الفجوة بين ما يقدّمه الاقتصاد وما ينتظره المواطن من فرص عمل ومستوى معيشة كريم، مما يجعل الإصلاح الاقتصادي ضرورة ملحّة قبل أن تتحول.

العقد الاجتماعي التقليدي الذي ساد لعقود لم يعد قادرًا على مواكبة متغيرات العصر، فاقتصاد اليوم يحتاج إلى الكفاءة لا المجاملة، وإلى المشاركة لا التبعية. والمشكلة لا تكمن في غياب السياسات بقدر ما تكمن في ضعف الإدارات الاقتصادية القادرة على اتخاذ قرارات جريئة ومسؤولة بعيدًا عن المحسوبية والمصالح الضيقة. ومن دون تجديد في أسلوب الإدارة الاقتصادية ستبقى الإصلاحات محدودة الأثر، عاجزة عن تحويل التحديات إلى فرص، وعن تحويل الانضباط المالي إلى نمو حقيقي وفرص عمل مستدامة.

ورغم تنفيذ إصلاحات مالية خلال الأعوام الأخيرة، فإن معظمها ركّز على جانب الطلب عبر تقليص الإنفاق وزيادة الإيرادات وفق برامج صندوق النقد الدولي، دون إصلاحات موازية في جانب العرض أو في بنية الإنتاج. لذلك، ورغم تحسّن المؤشرات المالية شكلًا، بقي النمو ضعيفًا وفرص العمل محدودة، وتراجعت القدرة الشرائية للمواطنين. ولذا فإن تصحيح المسار يتطلب انتقالًا متدرجًا نحو إصلاحات هيكلية في أسواق العمل، والضرائب، والتمويل، وسلاسل القيمة، بما يعيد توجيه الاقتصاد إلى الإنتاجية والتنافسية.

كما لم تعد البطالة والفقر مشكلتين اجتماعيتين فحسب، بل أصبحتا دليلاً على خللٍ هيكلي في توزيع الفرص والثروة. فكل اقتصاد لا يحقق عدالة في نتائجه يواجه عاجلًا أم آجلاً أزمة في شرعيته الاقتصادية والسياسية. ولهذا، فإن الإصلاح الشامل والعادل بات شرطًا لإعادة بناء العقد الاجتماعي بما يلبي تطلعات الشباب العربي، خاصة أن نحو 47٪ من الشباب في الاقتصادات العربية غير النفطية، وفق استطلاع الباروميتر العربي لعام 2024، يفكّرون في الهجرة بسبب محدودية الفرص وضعف الأمل بالمستقبل.

لقد آن الأوان لأن تتحول هذه الاقتصادات من اقتصاد الوظيفة الحكومية إلى اقتصاد الإنتاج والمهارة. فالنمو لا يُبنى على تضخيم الجهاز الإداري، بل على التعليم التقني وتنمية المهارات وربطها بالقطاعات المنتجة، وتحسين جودة التدريب المهني، وتحديث المناهج بما ينسجم مع احتياجات السوق. كما يستدعي الأمر تحسين كفاءة الإنفاق العام وتوجيهه نحو البنى التحتية الداعمة للنشاط الإنتاجي، بدلًا من التفريعات التي لا تولّد قيمة مضافة حقيقية.

وعلى صعيدٍ موازٍ، فإن القطاع الخاص يمثل المحرك الرئيس لأي عملية إصلاح اقتصادي حقيقية، خاصة في ظل محدودية القدرات المالية والإدارية للحكومات. فتمكينه من الاستثمار والإنتاج والتشغيل هو الطريق الأكثر استدامة لتوسيع القاعدة الإنتاجية وتحقيق النمو الشامل. ومن هنا، تبرز أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تمويل المشروعات الكبرى وتطوير البنية التحتية والخدمات الأساسية، بما يخفف العبء عن الموازنات العامة ويخلق فرص عمل جديدة تسهم في دعم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. كما يتطلب تمكين القطاع الخاص بيئة تشري.

إن نجاح الإصلاح الاقتصادي لا يُقاس بقدرة الدولة على تحقيق التوازن المالي فقط، بل بقدرتها على توسيع القاعدة الإنتاجية وتعزيز التنافسية. فالتنمية المستدامة تنطلق من الداخل، من القطاعات التي تخلق قيمة مضافة وتقلل الاعتماد على الخارج. وعليه، فإن ما تحتاجه المنطقة اليوم هو إدارات اقتصادية عربية واعية ومسؤولة، تخطط للمستقبل بدل الاكتفاء بإدارة الأزمات، وتعمل على إزالة الاختناقات التنظيمية أمام الاستثمار، وتخفيض كلف ممارسة الأعمال، وتمكين المحافظات من اتخاذ قرارات اقتصادية قريبة من موقع الإنتاج.

وفي ظل التحولات العالمية المتسارعة، لم يعد التحول الرقمي والاقتصاد الأخضر ترفًا، بل أصبحا ركيزة أساسية لعبور الاقتصادات العربية غير النفطية نحو المستقبل. فهما يربطان بين محدودية الموارد واتساع الطموح، ويمكّنان هذه الدول من الانتقال من استهلاك التكنولوجيا إلى إنتاجها. ومع ذلك، فإن التوسع غير المتوازن في الأتمتة، رغم مساهمته في رفع الإنتاجية، قد يقلّص فرص العمل في القطاعات التقليدية، مما يعقّد مهمة السياسات العامة في تحقيق توازنٍ دقيق بين الكفاءة التشغيلية وتوفير الوظائف، ويستدعي برامج انتقال عادل لحماية ا.

وعلى صعيدٍ تكاملي، يشكّل التكامل الاقتصادي العربي فرصة حقيقية لدعم الدول غير النفطية عبر تنمية التجارة البينية وتوجيه الاستثمارات الخليجية نحو القطاعات الإنتاجية المشتركة. فالتعاون الاقتصادي بين الجانبين يمكن أن يحوّل الفوائض المالية إلى مشروعات تنموية مستدامة، تحقق التكامل بدل التبعية، وتدعم النمو المتوازن في المنطقة.
إن الاستثمار في الإنسان العربي لم يعد خيارًا تنمويًا، بل هو الشرط الأساسي لصون الاستقرار وتعزيز النمو. فالتعليم النوعي، والتدريب المهني، وتمكين الشباب عبر سياسات تشغيل مبتكرة، تمثل الركائز الحقيقية لتحويل الاقتصادات العربية غير النفطية من الهشاشة إلى القدرة، ومن التبعية إلى الإنتاج. والمنطقة اليوم تقف أمام لحظة حاسمة: إما أن تُترجم الإصلاحات إلى مشاريع وطنية جامعة تعيد بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وإما أن تبقى رهينة دوامة البطالة والمديونية، في مشهدٍ يهدد أمنها السياسي قبل الاقتصادي.

وفي الخاتمة، فإن الإبطاء في تنفيذ الإصلاح الحقيقي لا يعني فقط استمرار التراجع الاقتصادي، بل يحمل مخاطر سياسية واجتماعية متنامية، إذ قد يجعل الاقتصادات العربية غير النفطية عرضة لموجات جديدة من الاضطرابات الشعبية بصورة أشد من “الربيع العربي” السابق، إذا لم تُترجم الإصلاحات إلى تحسين ملموس في معيشة المواطنين وفرصهم في العمل والمشاركة. فالإصلاح الاقتصادي لم يعد ترفًا إداريًا، بل هو حائط الصد الأخير أمام تفاقم الأزمات واتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :