هكذا يعمل الظَلَمَةُ والمستبدون لفرض سيطرتهم
صالح الراشد
13-11-2025 10:30 AM
ينتشر الظُلم في عديد دول العالم ويتسع في ظل تزايد حُماته وأذرعه المستفيدين منه ليسيطروا على المال العام والمناصب، وعلى طرف آخر يقف البعض مطالبين بالعدل والمساواة رافضين الإنصياع للظَلَمَة رغم سيل الشتائم التي تطالهم والتخوين الذي يوصفون به من قبل الأعوان وأعوانهم، فيتراجع البعض كي يقال عنهم رجال سلام وأمان فيما القليل يرفضون الانصياع لحُراس الظَلَمَة، ويعمل الظَلَمَة للحفاظ على مكانتهم بتجفيف منابع الثقة بين أفراد الشعب حتى ينقسم لفئات متنازعة متصارعة متناحرة قد تقتتل لإرضاء الظالم بموت المظلوم، ضامنين بذلك عدم تجمعهم على فكرة حالية أو رؤية مستقبلية.
ويعمل الظَلَمَة ومساعديهم على خلق أزمات مجتمعية واقتصادية وبيئية وغذائية، بطرق خادعة تتمثل بالسيطرة بفضل وجود بعض الجهلة في المراكز القيادية وتحويلهم لقيادات ونماذج يقتدي بهم العوام غير المثقفين، فتهتز الدول اقتصادياً وتتصارع اجتماعياً، ليصبح المجتمع في مرحلة دونية كون الفارق بين البشر والحيوانات أن الحيوانات لا تسمح أبداً لأغبى أفراد القطيع بإدارتهم، وهنا يبيع الناس حريتهم للحفاظ على حياة وأي حياة، ليشتروا طعامهم ولباسهم وحاجاتهم ممن اشتروا حريتهم فيصبحوا عبيداً برضاهم لرأس المال، وما أسوأ رأس المال حين يكون بلا ضمير ومصنع للعبودية بدل أن يكون طريق للخير.
ويعمل الجهلة من أعوان الظَلَمَة على نشر الأخبار عن حب الناس لأصحاب الدولة والمعالي والسعادة وقيادات المجتمع الاقتصادية، وأن تملقهم للظَلَمَة ليس بداعي الخوف على الحياة ورزقها بل هو نوع من الاحترام والتقدير، ولا يدرك هؤلاء الجهلاء أن ما يشاهدونه هو احترام للكرسي وليس لمن يجلس عليه، وأن للمنصب هيبة تمكن أصحابها من تحويل القوانين والأنظمة بما يعود بالفائدة على البعض ويحجب الخير عن آخرين، ويتضح الأمر للظَلَمَة والجهلة بعد مغادرتهم مناصبهم حيث يتم عزلهم إجتماعياً، ويصبح الشعب يتندر بهم ويطلق النكات عليهم كونهم السبب في انتشار الواسطة والمحسوبية وصولاً لانتشار الفقر، ليصبح الحديث عن الجوع هو الشائع في وقت يكثر فيه حديث الاغنياء عن المال والسياسيين عن الأخلاق.
وحتى تنجح الحكومات في تنويم الشعوب مغناطيسياً وتمنعهم من التفكير، تعمل على إغرق الدول في الديون وتقوم بإلهاء الناس بالتفاصيل الصغيرة، وتجعلهم يشعرون أنهم مرتبطون بخيوط غير مرئية برضا المسؤولين وشراكة أبنائهم ورشوة الموظفين الصغار واستيعاب قوانين السوق غير المكتوبة، وهنا ينتشر الغباء والجهل وهما السبب الرئيسي في دمار الدول كون الإنسان الواعي قادر على محاربة الشر مهما بلغت قوته والانتصار عليه، لكنه غير قادر على هزيمة الغباء والجهل إلا بنشر الثقافة، وهو ما يعني الحاجة لأكثر من جيل لتغيير الوضع بالاعتماد على أن لا نُعلي من شأن التافهين، وأن لا نُهين أصحاب الفكر الراشد والراشدون.
آخر الكلام:
قال عبدالرحمن الكواكبي: "أسوء ما يفعله الاستبداد ليس نهب الثروات بل هدم الأخلاق العامة، حتى تصبح الخيانة ذكاء، والأمانة سذاجة، والجبن حكمة بالغة، وبهذا لا يحتاج المستبد إلى جواسيس فالجميع يراقب الجميع".