facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




كيف أصبحتُ رجل مخابرات؟!


محمود الدباس - أبو الليث
14-11-2025 12:20 AM

قد يتفاجأ البعض من هذا الاعتراف.. وقد يرقص فرحاً مَن دخل في رهانٍ مع آخرين حول طبيعتي.. وهل أنا رجل مخابرات؟!.. ولكن أقولها بعلي الصوت.. نعم.. أنا رجل مخابراتٍ أردني وطني.. ولكن دون رقمٍ عسكري.. ولا شهادة تعيين.. ولا رتبةٍ.. ولا راتبٍ.. ولا مكتبٍ.. ولا مرجعيةٍ لأشخاصٍ أو مؤسسة..

فرقمي الوطني هو هويتي وشهادة تعييني.. ومستوى ثقة الناس فيما أقول.. ومحبتهم لي هي رتبتي.. وراتب الضمان هو ما يدخل جيبي.. أما الأردن وأمنه ومنعته.. فهي مرجعيتي التي لا أتنصل منها.. وأفتخر بالانتماء إليه..

وبالعودة الى العنوان.. قد يظن البعض أن الإجابة على سؤالٍ كهذا لغوية.. أو رسمية.. لكنها في حقيقتها فلسفية ووطنية.. لأن المخابرات.. ليست مجرد جهازٍ له مبانٍ.. وأرقامٌ.. وملفات.. بل هي فكرة الوطن حين يفتح عينيه ليحمي نفسه.. إنها عين الوطن التي لا تنام.. وضميره الذي لا يساوم.. غير أن الانتماء إليها لا يُقاس بالبطاقات ولا بالرتبة.. بل بالشعور.. فمن أحب وطنه بصدق.. ودافع عنه بعقله وقلمه ولسانه ووعيه.. فقد مارس أرفع درجات العمل الاستخباري.. دون أن يرتدي بزّةً رسمية.. أو يحمل شهادة تعيين..

وكل مَن يلتقط الخطر قبل وقوعه.. أو يطفئ فتنة قبل اشتعالها.. أو يكشف كذب شائعة قبل أن تصبح ناراً.. هو في جوهره رجل مخابراتٍ لوطنه.. لأنه يشتغل بالعقل ذاته الذي يشتغل به الجهاز.. لكنه يفعل ذلك بدافعٍ وطنيٍ صرف.. لا بأمرٍ ولا تكليفٍ ولا راتب..

أما المنتسب إلى الجهاز الرسمي.. فله مسؤولية أخرى.. أن يحمي الوطن بأدوات الدولة.. وأن يقرأ ما وراء الكلمات.. ويميز بين النقد والمساس.. وبين الغيرة والعداء.. بينما المواطن المخلص.. يعمل بصفاء نية.. يرى أن المعلومة أمانة.. والكلمة مسؤولية.. والسكوت عن الفتنة خيانة..

ومن هنا أقول.. ليس كل رجل مخابراتٍ بالضرورة مواطناً صالحاً.. لكن كل مواطنٍ صادقٍ صالحٍ.. يمكن أن يكون رجل مخابراتٍ بمعناه الأشرف.. حين يجعل أمن وطنه جزءاً من دمه ووجدانه.. لا من وظيفته..

فالكاتب الذي يسلط الضوء على الفساد دون تجنٍ.. أو تشهيرٍ.. أو ابتزاز.. فيضع يده على الجرح ليعالجه.. لا ليُظهره أمام الكاميرات من أجل التشهير والشهرة.. هو رجل مخابراتٍ وطني من الطراز الرفيع.. والمدرّس الذي يحرس عقول أبنائنا من الضياع.. هو أيضاً رجل مخابرات.. والطبيب الذي لا يساوم على وجع مريضٍ في ساعةٍ حرجة.. والتاجر الذي لا ينهش جيوب الناس في الأزمات.. والمواطن الذي يغلق أذنه عن الشائعات.. كل هؤلاء يشكلون جهازاً وطنياً موازياً.. لا تحكمه القوانين.. بقدر ما تضبطه الأخلاق والضمائر.. والانتماء الصادق..

لقد أصبحتُ رجل مخابرات.. حين قررت أن لا أرى الفساد وأصمت.. وأن لا أسمع الشائعة وأصدق.. وأن لا أكتب لمصلحةٍ.. أو مكسبٍ.. أو شهرة.. بل لأن الوطن يستحق أن يُكتب عنه بصدقٍ.. ووعيٍ.. ومسؤولية.. فأنا لا أحمل سلاحاً.. ولا أمرَ حركة.. لكنني بكل فخرٍ أحمل وعياً يكشف الزيف.. وهمةً لا تلين.. وإيماناً بأن حماية الأردن.. تبدأ من الكلمة.. وتنتهي عند الضمير..

نحن جميعاً رجال مخابراتٍ.. حين نكون يقظين.. لا مرتابين.. مؤمنين.. لا خائفين.. مخلصين.. لا متكسبين.. حين ندرك أن حماية الوطن.. لا تحتاج تصريح دخولٍ إلى مبنى المخابرات.. بل تحتاج قلباً لا ينام.. حين يُذكر الأردن بسوء.. أو يحاول النيل منه مُغرض..

نعم.. أنا رجل مخابرات.. كما كل أردنيٍ شريفٍ لا يبيع كرامته بثمنٍ بخس.. ولا بالكنوز.. ولا يساوم على وطنه.. لأن المخابرات ليست مكاناً نلتحق به.. بل فكرةٌ نولد بها.. وضميرٌ نعيش به.. ورايةٌ لا تسقط.. ما دام فينا مَن لا ينام حين يحرسها..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :