facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




صرّخة .. هل بعد ضعف شغف المعلم والطالب .. تريدون قتله؟!


محمود الدباس - أبو الليث
15-11-2025 02:15 PM

لم يعد المشهد في مدارسنا يحتاج إلى عدسة مكبرة كي نرى الخطر.. بل يحتاج إلى شجاعة الاعتراف بأن هناك صوتاً خافتاً كان يهمس منذ سنوات.. ثم ارتفع قليلاً.. ثم صار صراخاً لا يسمعه إلا مَن أراد أن يسمعه.. صوت المعلم الذي يُطلب منه أن ينهض بنهارٍ أثقل من طاقته.. وصوت الطالب الذي يدخل المدرسة كمن يدخل ساحة يجهل نهايتها.. لا ليتعلم.. بل ليمرّ باليوم كيفما اتفق.. وكأن الصباح نفسه أصبح خصماً يقف على باب المدرسة وينادي.. إلى أين؟!.. ولماذا؟!..

في الدول التي يحلو لنا أن نقارن بها أنفسنا.. لم يكن سر جودة تعليمهم في سماكة الكتب وثقلها.. ولا في عدد الصفحات.. بل في الفلسفة التي صنعت تلك المناهج.. فلسفة تفهم أن الوقت شريك في العملية.. لا ساحة حرب.. وأن الطالب ليس رقماً يُحشر.. بل إنسان يحتاج إلى مساحة ليفهم.. ويسأل.. ويخطئ.. ويعيد المحاولة.. وأن المعلم ليس آلة تُضغط عليها لتسرّع الإيقاع.. بل قلب نابض لا يستطيع أن يعطي.. إذا أثقلته المتطلبات وأتعبه النهار..

هناك.. في فنلندا وسنغافورة واليابان وكندا.. المناهج موزونة على ميزان الفهم.. لا على ميزان الحشو.. المادة قصيرة.. لكنها عميقة.. ويستطيع المعلم إنهاءها دون أن يركض.. أو يلهث.. لأن النظام يعرف أن التعليم ليس سباقاً.. بل رحلة.. وأن الشغف يولد من الراحة.. لا من الضغط.. ولذلك يذهب الطالب مبتسماً.. منطلقاً.. ويذهب المعلم ممتلئاً بالشغف والعلم.. ويعود كلاهما بشعور أن المدرسة إضافة للحياة.. لا خصم لها.. المدرسة مكان جميل.. لا مكان عقوبة ينتظر متى يغادره..

أما هنا في الأردن.. فالصورة معكوسة بلا مجاملة.. المناهج طويلة.. تحتاج ضعف الوقت ليتمكن المعلم من شرحها كما يجب.. فيضطر إلى الإشارة.. لا الشرح.. وإلى المرور السريع الذي لا ينتج فهماً ولا علماً.. بل خوفاً من سؤال قد يأتي في الامتحان.. ولم يمسه المعلم إلا لدقيقة خجولة خوفاً من المساءلة لمَ لم تُعرّج عليه.. وهذه ليست تربية.. ولا تعليماً.. ولا حتى إدارة وقت.. هذه مطاردة مستمرة بين كتاب ضخم.. وزمن ضيق.. وجيل كامل يدفع ثمن هذا الصراع..

والمعلم.. ذلك الذي يفترض أن يكون قائد الرحلة.. ينهكه ما لا علاقة له بالتعليم.. تقارير.. ونماذج.. وخطط.. وواجبات ورقية.. تُسرق من ساعاتٍ.. كان يجب أن تُعطى للدرس وللتطوير ولإعادة اكتشاف نفسه وأساليبه.. فيتحول شغفه.. إلى واجب ثقيل.. ويتحول حلمه.. إلى محاولة الوصول لآخر المنهاج مهما كانت الجودة تنزف على الطريق.. فيخسر أول ما يخسر تلك الشعلة التي صنعت منه معلماً.. والتي لن تعود إذا خمدت..

ثم يأتي الطالب.. المشروع الذي يفني الأب والأم أعمارهم لأجله.. فإذا به يقف بين ضغط الامتحانات.. وضغط المناهج.. وضغط التوقعات.. يسمع جملة واحدة تتردد بلا توقف.. “امشِ بسرعة.. الوقت ضيق”.. فلا يشعر بالراحة.. ولا بالانتماء.. ولا بأن البيئة التعليمية تعرفه.. أو تفهمه.. بل يتعلم شيئاً واحداً فقط.. كيف يهرب.. كيف يتظاهر بأنه يسمع وهو لا يسمع.. وكيف يطفئ دهشته كي لا تتهمه الدروس بأنه يضيّع الوقت..

وما يحدث في الأردن ليس فساداً في النية.. فالمعلمون أوفى من أن تُشكك نياتهم.. والوزارة ليست عدوة لأبنائها.. لكنها محكومة بفلسفة خاطئة.. ترى الكَم قبل الهدف.. والورقة قبل الإنسان.. والحصة قبل الفكرة.. وهذا ما يصنع طريقاً مليئاً بالحفر.. مهما كانت النوايا طيبة.. ومهما كانت الجهود مبذولة..

معالي الوزير.. هذه ليست شكوى.. بل صرخة.. صرخة من قلب الميدان الذي يمتلئ بالناس.. لا بالأوراق.. والذي يسمع المعلمين كل يوم وهم يقولون.. “الأمر لم يعد يُحتمل”.. ويسمع الطلاب وهم يتهامسون.. “لا نريد الذهاب.. المدرسة أصبحت عبئاً”.. فهل ننتظر حتى يتحول هذا الهمس إلى هجرة صامتة من الفهم.. إلى الحفظ.. ومن المعرفة.. إلى الهروب؟!..

التعليم لا يموت فجأة.. بل يفقد نبضه حين يسقط شغف المعلم.. ويتبخر شغف الطالب.. ومع كل يوم يُترك فيه الحال على ما هو عليه.. يفقد الأردن شيئاً من مستقبله.. شيئاً من قوته.. شيئاً من روحه..

نريد من وزارة التربية.. أن تعيد النظر في جذور المشكلة.. في طول المناهج.. في زخمها.. في فلسفتها.. في النظرة للوقت.. في المتطلبات التي تخنق المعلم.. نريد أن تعيد للتعليم قلبه.. قبل أن نعيد له كتابه.. نريد أن يحضر الطالب إلى المدرسة بشغف.. وأن يدخل المعلم الصف بطاقة إيجابية ومحبة.. لا بجرح تعبٍ مزمن..

وفي نهاية صرختي وصرخة الأهالي والمعلمين.. ولن أشكك في وطنيتكم.. ولا في أهدافكم.. يبقى السؤال الذي يطرق بقوة لا تحتمل التأجيل.. على أبواب العقول الوطنية المتفتحة.. والتي تريد مصلحة الوطن.. كيف تفكرون؟!.. وكيف تقيّمون المشهد وأنتم ترون المعلم يختنق بالوقت والورق.. والطالب يذبل تحت ثقل المناهج؟!.. ممن تسمعون حين تصنعون قراراتكم؟!.. أحقاً تصغون لصوت الميدان.. أم أنكم لا تسمعون إلا صدى أصواتكم في مكاتبكم.. وأنتم تعيدون إنتاج الأخطاء ذاتها كل عام.. وكأنكم تتلذذون ولا تملّون من جعل مدارسنا حقل تجارب لأفكاركم وأهوائكم؟!..

فإذا لم نتحرك الآن.. إذا لم نراجع اليوم.. فغداً حين يستيقظ الوطن -لا قدّر الله- على جيل لا يريد أن يتعلم.. وعلى معلم لا يستطيع أن يعطي.. سيكون السؤال أكثر مرارة مما نتصور.. ليس (هل أفقدناهم الشغف؟!).. بل (هل قتلناه بأيدينا؟!)..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :