facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأبعاد الاستراتيجية للجولة الملكية الآسيوية


د. تمارا زريقات
18-11-2025 02:32 PM

تشكل السياسة الخارجية للدول أحد أهم أعمدة القرار الوطني، والإطار العملي الذي يترجم خيارات الدولة الكبرى إلى تحركات محسوبة على الصعيدين الإقليمي والدولي؛ أي أنها في جوهرها ليست مسارا منفصلا عن استراتيجية الدولة؛ بل هي شكلها التنفيذي، والأداة التي تصوغ من خلالها أولوياتها الوطنية ومصالحها العليا. وفي سياق متصل تتبلور السياسة الخارجية الأردنية ضمن إطار استراتيجي تحدد ملامحه وتوجه مساراته القيادة الهاشمية الحكيمة والملهمة والتي تشكل مرجعية عليا توجه دفة السياسة الخارجية بثبات ووضوح، وعلى نحو يعزز قدرة الدولة على إدارة مصالحها لمواجهة محدودية الموارد الاقتصادية والاستجابة للتحديات المتزايدة في إقليم تتغير معادلاته بوتيرة متسارعة، ويعاني من نزاعات وتقلبات سياسية متكررة؛ وبالتالي هي سياسة تعكس رؤية استراتيجية متسقة تنطلق من ثوابت الدولة وأولوياتها.

والأردن – بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، حفظه الله ورعاه – يقدّم نموذجاً لدولة تنتهج سياسة خارجية تقوم على توازن دقيق بين الاعتدال والواقعية من جهة، وبين قراءة معمّقة لمتغيرات الإقليم والعالم من جهة أخرى؛ بما يضمن حماية المصالح الوطنية والعربية، والتفاعل الإيجابي مع التوجهات الدولية الحميدة وآليات العمل المشترك. وقد أكسب هذا النهج الأردن احتراماً دولياً راسخاً، وسمعة دبلوماسية تستند إلى ثبات الموقف واتزان السلوك السياسي، وإلى مسار خارجي يقوم على بناء الثقة، وتوسيع دوائر الشراكة، وتغليب منطق الحوار، وتعظيم مساحات التوافق، على نحو يمكّن المملكة من التحرك بثقة في بيئة دولية معقدة دون أن تفقد بوصلتها أو تتخلى عن ثوابتها

وانطلاقاً من هذا النهج، جاءت الجولة الملكية إلى الدول الآسيوية لتشكّل أحد أبرز تجليات الحضور الأردني المتقدم في السياسة الخارجية؛ فهي رسالة واضحة في إعادة توجيه الحضور الأردني نحو مراكز القوة الصاعدة في الاقتصاد العالمي، كما أن اختيار هذه الدول تحديداً يحمل دلالات استراتيجية، بالنظر إلى وزنها الدولي وقدرتها على فتح مسارات اقتصادية واستثمارية جديدة تعزز المجال الحيوي للأردن، وتعيد بوصلة الاقتصاد الوطني نحو أسواق ذات إمكانات كبيرة وعمق ديموغرافي وتكنولوجي، فضلا عن تجاربها التنموية التي تتقاطع مع أولويات الأردن في مسار التحديث الاقتصادي. فقد شملت الزيارات دولا تمثل نماذج مختلفة لمراكز القوة الجديدة:

• اليابان من أكبر الاقتصادات والأسواق المتقدمة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في العالم؛ وقد عززت الزيارة البعد الاستراتيجي للعلاقات بين البلدين؛ وقد بحث جلالته مع وزير الدفاع الياباني توسيع التعاون العسكري وتنسيق الجهود لتحقيق السلام في الشرق الأوسط؛ كما شكلت مباحثات جلالته مع منظمة التجارة الخارجية اليابانية (جيترو) خطوة محورية نحو فتح الأسواق اليابانية أمام المنتجات الأردنية، عبر مقترح نافذة استثمارية مشتركة، وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة، والمعادن، والخدمات اللوجستية.

• وتقدم سنغافورة نموذجا عالميا لأكفأ الأنظمة الإدارية والحوكمة والكفاءة الاقتصادية، وقد هذه حملت الزيارة أهمية استراتيجية للأردن؛ وفتحت الابواب لتوسيع التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والمياه والدفاع والتكنولوجيا، والاستفادة من خبرات سنغافورة في إدارة القطاع العام والتدريب المهني والتحول الرقمي. كما عززت الزيارة الشراكة في الاستجابة الإنسانية لغزة، ورسّخت دعماً سياسياً من دولة مؤثرة في آسيا لجهود الأردن في تثبيت التهدئة، وحماية القدس، ودفع مسار حلّ الدولتين.

• وتعتبر فيتنام محطة مهمة في الزيارة باعتبارها إحدى أسرع الاقتصادات نموا في آسيا، وتحتل مكانة متقدمة في سلاسل التوريد العالمية، وقد فتحت الزيارة أمام الأردن فرصاً عملية للتوسع في سلاسل التوريد والصناعات الدوائية والمعدات الطبية والزراعة والأغذية والألبسة، إلى جانب ربط المنتج الأردني بسوق يتجاوز (100 مليون نسمة) وبعمق آسيوي يمتد نحو شرق آسيا. كما دعمت الزيارة موقف الأردن السياسي في الإقليم عبر تأكيد هانوي التزامها بـحل الدولتين وانسجامها مع الجهود الأردنية لحماية القدس واستعادة الاستقرار في غزة.

• اندونيسيا: أكبر دولة مسلمة من ناحية عدد السكان، دولة ذات ثقل ديمغرافي واقتصادي؛ وعضو مؤثر في مجموعة العشرين (G20)، واقتصادها يوصف بأنه من بين الاقتصادات الصاعدة والأكثر تأثيرا في مجالات الطاقة والاقتصاد الرقمي؛ وقد أتاحت الزيارة للأردن بناء شراكة استراتيجية مع الصندوق السيادي الإندونيسي (دانانتارا) لفتح مسارات جديدة في الاستثمار والطاقة والنقل واللوجستيات، ونقل خبرات الحوكمة؛ كما عززت الزيارة التعاون العسكري عبر تمرين المخلب العميق للطائرات المسيّرة، الذي أبرز القدرات الأردنية المتقدمة. اما سياسيا، فقد رسخت الزيارة توافق عمّان وجاكرتا في دعم حل الدولتين، وحماية القدس، وإنهاء الحرب في غزة، ما يضيف عمقاً آسيوياً لمواقف الأردن الإقليمية.

• وتشكل باكستان محورا أساسيا في الجولة الملكية، نظرا لدورها الإقليمي وثقلها في العالم الإسلامي؛ وقد أعاد جلالة الملك في مباحثاته مع الرئيس زرداري ورئيس الوزراء شهباز شريف تثبيت عمق العلاقات الممتدة منذ ثمانية عقود، وفتح مسار توسيع التعاون في الدفاع والتكنولوجيا والتعليم والاستثمار؛ وقد عززت الزيارة التنسيق السياسي بين عمان وإسلام آباد في ملفات غزة والقدس ورفض التهجير والاستيطان، وقد منحت باكستان لجلالته وسام (نيشان باكستان) وهو أعلى وسام مدني؛ بما يعكس المكانة الاستثنائية للأردن وقيادته ودور المملكة المحوري في قضايا الأمة.

إن التأمل في مسار الجولة الملكية إلى الدول الآسيوية الخمس يبين حجم الجهود الدؤوبة التي يقودها جلالة الملك لتعزيز حضور الأردن في البيئات الاقتصادية الأكثر تقدما ونموا؛ فقد شكلت هذه الجولة محطة استراتيجية متكاملة، جمعت بين الحضور السياسي الفاعل والرؤية الاقتصادية الواضحة، ومنحت الأردن فرصة حقيقية لتوسيع خياراته وتعظيم قدراته، استنادا إلى الثقة الدولية بقيادته ودوره ومساره المستقر في منطقة تتغيّر فيها المعادلات بسرعة.

- اقتصاديا؛ فتحت اللقاءات رفيعة المستوى، التي عقدها جلالة الملك مع قيادات حكومية واقتصادية وصناديق استثمار في اليابان وسنغافورة وفيتنام وإندونيسيا وباكستان، أبوابا جديدة للتعاون، وكانت محملة بملفات اقتصادية واضحة ترجمت رؤية ملكية واضحة لزيادة متانة الاقتصاد الأردني وتوسيع مجالات التعاون، وجذب استثمارات نوعية، وفتح أسواق جديدة أمام الاقتصاد الوطني بما يزيد من قدرته التنافسية ويدعم مسار التحديث؛ وهذا بدوره أسس لشراكات عملية ستسهم في تقوية الاقتصاد الوطني وتعزيز استقراره، وتمنح القطاعات الاقتصادية في الأردن مساحات أوسع للدخول في أسواق ذات إمكانات كبيرة.

- سياسيا؛ عكست حفاوة الاستقبال الرفيعة التي رافقت الجولة الملكية الاهتمام الرسمي الواضح من قبل الدول المستضيفة؛ وهذا مؤشر حقيقي على مستوى التقدير والمكانة والاحترام التي يحظى بها الأردن وقيادته، ودليلا حي على الثقة التي تبديها هذه الدول بعلاقتها مع المملكة وبما تحمله من فرص للتعاون المشترك، كما أن هذا المستوى من الاستقبال والترحيب يُظهر وجود رغبة جدية لدى الدول المستضيفة في بناء شراكات مستدامة، واستعداد لفتح قنوات تعاون أوسع في مجالات الاستثمار، والتجارة؛ وهذا بدوره يعزّز موقع الأردن في خارطة العلاقات الدولية؛ باعتباره شريك يُنظر إليه باحترام، ويحسب له حساب في الملفات الإقليمية والاقتصادية؛ وهو ما ينسجم مع رؤية جلالة الملك في بناء علاقات تقوم على المصداقية والعمل المشترك، وتفتح آفاقًا تدعم مسار التحديث الاقتصادي وتوسّع خيارات الدولة في عالم يشهد تحولات متسارعة.

من طوكيو إلى إسلام أباد، يرسّخ جلالة الملك عبدالله الثاني - حفظه الله ورعاه- حقيقة أن الأردن دولة تصنع مكانها بإرادتها، وتؤكد حضورها بحكمة قيادتها؛ وفي ضوء ما فُتح من فرص اقتصادية استراتيجية، فإن مسؤوليتنا اليوم، نحن أبناء هذا الوطن، أن نحمل الراية التي رفعها جلالته، وأن نحوّل هذه الفرص إلى مشاريع إنتاجية مستدامة تعزز قوة الدولة وتدعم اقتصادها، وتفتح آفاق المستقبل لأجيال قادمة، وذلك عبر تنسيق الجهود بين المؤسسات والقطاعات المختلفة، وفي مقدمتها القطاع الخاص بوصفه شريكاً رئيسياً في جذب الاستثمار وتعظيم القيمة المضافة، وتفعيل أدوات الجذب الاستثماري، وضمان استثمار ما تحقق من فرص.
فالأردن يستحق أن يكون في المقدمة… ليظل كما أراده سيد البلاد:

"وطنًا حرًّا، عزيزًا، كريمًا، آمنًا مطمئنًا".

 

باحث - مركز الدراسات الاستراتجية - الجامعة الاردنية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :