ولي العهد والسردية الاردنية لتحصين هويتنا الوطنية
د. فاطمة العقاربة
19-11-2025 09:20 PM
منذ نشوء الدولة الأردنية، ظلّت مسألة الهوية الوطنية موضع جدل دائم، تتأرجح بين الانتماء المحلي والارتباط الإقليمي، وبين "الأردني" و"الفلسطيني". هذه الثنائية لم تكن يومًا مجرّد توصيف ديموغرافي، بل تحولت إلى محدّد سياسي واجتماعي شكّل الوعي العام، وأحيانًا كبّل إمكانات صياغة سردية وطنية أردنية خالصة. خطورة هذا الارتهان لا تكمن فقط في تهديد الانسجام الداخلي، بل أيضًا في تهميش التاريخ المحلي وتعطيل مشروع الهوية الوطنية القادر على أن يستند إلى الأرض والتاريخ والقيم والشرعية الهاشمية، مع دمج التنوع دون ذوبان فيه. الطريق إلى سردية وطنية مستقلة يستوجب إعادة الاعتبار للتاريخ المحلي والرموز الوطنية. ويبدأ ذلك من التركيز على المحافظات كرموز سياسية واجتماعية ذات طابع وطني، وتوثيق إرثها في المناهج والإعلام.
كما أن تثبيت الشرعية الهاشمية يظل محورًا أساسيًا، من خلال إبراز دور العائلة الهاشمية في ترسيخ الهوية الوطنية وربط الوصاية على القدس بالهوية الأردنية نفسها، لا بمفهوم اللجوء الفلسطيني.
ولا تكتمل السردية دون إحياء الثقافة المحلية: الشعر النبطي، الأمثال، العادات، والرموز مثل الكوفية الحمراء، التي تعبّر عن عمق الانتماء الأردني. وإلى جانب ذلك، فإن إعادة صياغة الخطاب السياسي والإعلامي باتت ضرورة، بحيث يُقدَّم شعار "الأردن أولًا" لا كشعار عابر، بل كمشروع هوية وطنية متكاملة، يستوعب الفلسطينيين في إطار المواطنة لا كمحور مهيمن على التعريف بالذات الأردنية.
وهنا تكمن القصة وجود الهاشميين لصياغة هذه السردية هو من يعطيها القوة والثبات واليوم ولي العهد بزيارته لمحافظة الطفيلة تحدث اليوم في الطفيلةعن توثيق السردية الاردنية، هذا المشروع ادواته الرئيسة كتابة تاريخ الارض والانسان الاردني الممتد مئات الاف السنين لكن الغاية توثيق العلاقة بين الاردنيين وتاريخ الاردن والحضارات التي تعاقبت عليه وإنجاز الاردنيين وتعزيز هويتنا الوطنية في مواجهة والافتراءات التي ما زلنا نعاني منها رغم الصعوبات، يبقى الأردن قادرًا على بناء مشروع وطني متماسك يجعل منه هوية قائمة بذاتها، لا مجرد امتداد لأزمات الآخرين. فبتوازن بين الأصالة المتمثلة في القبيلة والأرض، والحداثة المتمثلة في الدولة والدستور، يمكن إنتاج سردية ثقافية–سياسية تُعيد للأردنيين ثقتهم بذاتهم، وتمنح الأردن صورة الحاضنة الإقليمية المستقرة التي تنطلق من جذورها لا من تبعات الآخرين. ولا ننسى معركة حد الدقيق التي دارت بالطفيلة في 25 يناير 1918، ضمن وقائع الثورة العربية الكبرى، بقيادة الأمير زيد بن الحسين، بدعم كبير من أهالي الطفيلة حيث انتصر فيها مقاتلو الثورة العربية على القوات العثمانية . وتعتبر هذه المعركة رمزاً للإرادة والصمود في الأردن . اليوم، حين يتحدث ولي العهد عن توثيق السردية الأردنية، فهو لا يدعو إلى إنشاء خطاب جديد بقدر ما يدعو إلى العودة إلى الأصل: إلى الأرض التي شهدت قيام الدولة، إلى الإنسان الأردني الذي بنى بيديه، وإلى المحافظات التي حملت عبءَ الهوية قبل أن تحمل عبءَ التنمية. زيارة الطفيلة لم تكن بروتوكولاً، بل رسالة: أن التاريخ الحقيقي موجود في الميدان، لا في المكاتب، وأن السردية لا توثق من وراء الزجاج، بل من بين الناس، حيث تتجسد الرفعة الحقيقية للأردن.
وإذا كانت السردية الوطنية تريد لنفسها قوة واستدامة، فعلى المسؤول أن يبدأ بنفسه:
أن يعترف بالقصور قبل أن يتغنى بالإنجاز،أن يحترم عقل المواطن قبل أن يطلب منه الصبر، وأن يدرك أن الأردنيين لا يريدون سردية تُقال لهم، بل سردية يعيشونها ويشعرون أن لهم نصيباً عادلاً فيها.
إن استدعاء التاريخ، وتثبيت الشرعية الهاشمية، وإحياء الثقافة المحلية، كلها خطوات نحو صياغة سردية وطنية خالصة تستوعب التنوع دون أن تذوب فيه. وهي سردية كفيلة بأن تقدم للأجيال القادمة هوية متينة، تواكب التحديات وتؤسس لمستقبل أكثر استقرارًا وثقة.