البكار .. حين يتحوّل الوزير إلى صانع أفق جديد لسوق العمل
د. محمد خالد العزام
21-11-2025 03:48 PM
حين نستعرض تجربة معالي الدكتور خالد البكار في وزارة العمل الأردنية، ندرك أنّنا أمام قيادة لا تكتفي بإدارة الملفات، بل تحوّل الأفكار إلى مشاريع نابضة بالحياة، وتحول الرؤية إلى مسار عمل واضح. فهو يتعامل مع سوق العمل باعتباره مشروعًا وطنيًا متناغم العناصر، يجمع بين الشباب والمرأة والريف وأصحاب المهارات، ويصوغ منهم جميعًا قوة إنتاجية تدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
منذ اللحظة الأولى لتولّيه المسؤولية، بدا أن البكار لا يرى سوق العمل كساحة تزاحم ضيقة، بل كأرض خصبة تنتظر من يزرع فيها الأمل. ولذلك جاءت بصمته واضحة في البرنامج الوطني للتشغيل الذي فتح ما يزيد على ستة وأربعين ألف نافذة عمل، نصفها تقريبًا للنساء، في رسالة تؤكد أن العدالة الاجتماعية ليست تفصيلاً، بل قاعدة راسخة لأي تنمية متوازنة.
ولأن الريف جزء من معادلة الوطن، حمل البكار مشعل الفروع الإنتاجية إلى أقاصي المناطق، حيث تحوّلت المصانع المحلية إلى منصات فرصة، وازدانت القرى بوجوه نساء يعملن ويعِلن بكرامة. في نظره، الريف ليس هامشًا، بل قلب نابض يمكن أن يكون مصدر قوة اقتصادية واجتماعية.
وعلى جبهة أخرى، أدرك البكار أن المعرفة هي بوابة المستقبل، فأطلق مشروع «نظام بيانات سوق العمل» الذي سيصبح بمثابة بوصلة رقمية للسياسات الوطنية. مشروع يوفّر للوزارة عينًا مفتوحة على تفاصيل السوق، ويرتقي بقراراتها من مستوى ردّ الفعل إلى صناعة الفعل ذاته.
أما ملف العمالة الوافدة، فتعامل معه بمنهجية لا تسعى إلى الإقصاء، بل إلى إعادة التوازن. تخفيف الاعتماد على العمالة الأجنبية في بعض القطاعات، وتحسين تدريب الأردنيين، شكلتا معًا خطوة نحو سوق عمل أكثر عدالة واستقرارًا.
وفي ميدان التعليم المهني، لم يكتفِ البكار بشعارات الدعم، بل أسس لشراكات مع القطاع الخاص، وأنشأ مسارات تدريب جديدة، وجعل من الشاب المهني شريكًا في عجلة الاقتصاد لا مجرد متقدم بطلب عمل. فالكفاءة في رؤيته ليست شهادة ورقية، بل قدرة حقيقية على الإنتاج.
كما دفع باتجاه شراكات مؤسسية واسعة: مع صناديق التمويل، والقطاع الخاص، والمؤسسات الدولية، لتتحول المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى جسر يعبر فوقه الشباب والنساء نحو استقلال اقتصادي يليق بطموحاتهم.
وتحت هذه المظلة، تظهر رؤية البكار بعيدة المدى واضحة وضوح الشمس؛ تنظيم سوق العمل، وترسيخ قواعد شفافة، وتحويل المساحات الرمادية إلى أرضٍ واضحة المعالم. فالسوق المنظم ليس مجرد قانون، بل بيئة تصنع الأمان الوظيفي، وتمنح الفرص، وتكافئ الجهد.
وفي النهاية، ليست ريادة خالد البكار مجرد إنجازات تُذكر أو أرقام تُسجل، بل هي روح تبثّ الحياة في مفاصل سوق العمل. إنها رسالة لمن فقد الأمل بأن الفرصة ما تزال ممكنة، ولمن توقّف عن الحلم بأن الطريق ما يزال مفتوحًا.
البكار لا يدير وزارة… إنه يشقّ طريقًا جديدًا، يحول فيه كلمات مثل “بطالة” و”هجرة” إلى معانٍ جديدة: عمل، إنتاج، وقدرة على النهوض.