facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إعادة هيكلة الموازنة .. مقاربة عملية لتعزيز كفاءة الإنفاق الرأسمالي


د. حمد الكساسبة
22-11-2025 02:42 PM

يشهد الأردن ضغوطًا متزايدة على الموازنة العامة نتيجة ارتفاع النفقات الجارية وانحسار الحيز المتاح للاستثمار الرأسمالي، الأمر الذي حدّ من قدرة الاقتصاد على دعم النمو وتوليد فرص عمل جديدة. ويكشف هذا الواقع الحاجة إلى تطوير منهج إعداد الموازنة ليكون أكثر قدرة على توجيه الموارد نحو المشاريع الإنتاجية بدلًا من الاقتصار على تغطية الالتزامات التشغيلية.

وتبيّن مراجعة هيكل الإنفاق أن جمع النفقات الجارية والرأسمالية في إطار واحد يجعل المشاريع الاستثمارية في موقع أضعف أمام الالتزامات الثابتة. كما أن آليات اختيار المشاريع لا تزال تعاني غياب تقييم اقتصادي مستقل يحدد جدوى المشاريع وأثرها الحقيقي. ولهذا تظهر الحاجة إلى اعتماد منهج تقييم موحّد يحدد جاهزية المشروع وعائده الاقتصادي والاجتماعي وفرص التشغيل التي يوفرها، إضافة إلى مراعاة التوزيع الجغرافي العادل.

وانطلاقًا من ذلك، يصبح الفصل الوظيفي بين نوعَي الإنفاق خطوة ضرورية من خلال إنشاء موازنة رأسمالية وطنية تُدار عبر وحدة متخصصة تعمل بصورة منفصلة عن الموازنة الجارية. وفي هذا النموذج، تبقى الموازنة الجارية ضمن مسؤولية وزارة المالية بصفتها الجهة التي تدير السياسة المالية وخزينة الدولة والدين العام، بينما تتولى الوحدة الوطنية المقترحة—من خلال إعادة تنظيم للمهام القائمة دون إنشاء مؤسسات مستقلة جديدة—تخطيط المشاريع الرأسمالية وتقييمها ومتابعتها ورفع توصياتها إلى مجلس الوزراء. وبوجود هذه الوحدة، يصبح اختيار المشاريع الوطنية وتحديد أولوياتها من صلاحيات مجلس الوزراء مباشرة، بما يعزّز اتساق السياسات ويرسّخ مرجعية موحّدة لاتخاذ القرار الاستثماري، ويمنح المشاريع الكبرى غطاءً تنفيذيًا أقوى. كما يضمن هذا الترتيب أن الديون إذا استُخدمت لتمويل المشاريع الرأسمالية فإنها تتجه نحو مشاريع منتِجة لا نحو تمويل نفقات تشغيلية، مما يرفع إنتاجية الدين ويعزز أثره التنموي.

وتعكس التجارب الدولية أهمية هذا النوع من التنظيم؛ إذ تطبق دول مثل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا والمملكة المتحدة والإمارات نماذج تميّز بوضوح بين الإنفاق الجاري والإنفاق الاستثماري عبر وحدات متخصصة لإدارة الاستثمار العام. وتظهر نتائج هذه التجارب أن تخصيص جهة فنية للمشاريع الرأسمالية يرفع جودة اختيار المشاريع ويربطها بالأولويات الوطنية، مع تعزيز الشفافية من خلال خطط متوسطة المدى وتقارير أداء دورية.

أما في السياق الأردني، فإن المقترح لا يهدف إلى إنشاء هياكل حكومية جديدة، بل إلى معالجة التشتت القائم في إدارة المشاريع بين جهات متعددة. ويسمح النموذج المقترح بدمج هذه المهام المتفرقة ضمن وحدة وطنية واحدة مرتبطة بمجلس الوزراء، ما يمنح الحكومة قدرة أفضل على التخطيط والمتابعة والمساءلة دون زيادة حجم الجهاز الحكومي. كما يعزز إصدار تقارير ربع سنوية علنية حول تقدم المشاريع الثقة العامة ويقلل الهدر ويرفع مستوى الرقابة.

ويقدّم هذا النموذج قيمة مضافة في مجال مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص، حيث تساعد الوحدة المتخصصة على تحسين تقييم دراسات الجدوى وتحديد المخاطر وربط المشاريع ذات الأولوية بالقدرة التمويلية المتاحة، وبذلك تتحول الشراكة إلى أداة تنموية حقيقية ترفع الإنتاجية وتخلق فرص عمل إضافية.

ويرتبط هذا التنظيم الجديد بشكل مباشر برؤية التحديث الاقتصادي 2033، إذ يساعد الفصل بين الموازنتين على توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الواعدة مثل التكنولوجيا والطاقة والسياحة واللوجستيات، ويحد من التشتت الذي يعطل تنفيذ المشاريع الكبرى، ويعزز قدرة الدولة على تنفيذ البرامج التنموية طويلة الأجل بكفاءة أكبر.

ويظل نجاح النموذج مرهونًا بوجود أدوات واضحة لقياس الأثر التنموي للمشاريع، مثل تأثيرها على النمو والتوظيف والإنتاجية، ومدى مساهمتها في تقليص الفجوات التنموية بين المحافظات. ومن خلال هذا النهج يمكن إعادة توجيه الموارد نحو المشاريع ذات القيمة المضافة الأعلى، والابتعاد عن أنماط الإنفاق التقليدية غير المنتجة.

وفي الختام، فإن إنشاء موازنتين مستقلتين—موازنة جارية تديرها وزارة المالية، وموازنة رأسمالية تُدار من خلال وحدة وطنية ترتبط بمجلس الوزراء—يمثل خطوة مهمة لإعادة تعريف دور الموازنة العامة كأداة للتنمية. كما أن هذا الفصل لا ينتقص من الدور السيادي لوزارة المالية في إدارة السياسة المالية وخزينة الدولة والدين العام؛ بل يعززه، لأنه يمنحها مساحة أكبر للتركيز على الإطار المالي الكلي، في حين تتولى الوحدة المتخصصة رفع كفاءة الاستثمار العام وتعظيم أثره. وعندما تستند القرارات الاستثمارية إلى تحليل اقتصادي واضح، يصبح الإنفاق العام أكثر إنتاجية، وتصبح مسارات التنمية أكثر وضوحًا واستدامة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :