facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




صعود اليوان الرقمي وتراجع هيمنة الدولار


م. سعيد المصري
25-11-2025 12:05 PM

مقدمة عامة
يشهد العالم اليوم تحولًا نقديًا وجيوسياسيًا غير مسبوق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ولأول مرة، لا يأتي هذا التغيير من حرب كبرى أو انهيار اقتصادي شامل، بل من التطورات التكنولوجية السريعة
في مجال العملات الرقمية السيادية (CBDCs)، ومن تراجع الثقة العالمية بقدرة الولايات المتحدة على إدارة النظام
المالي العالمي دون تسييسه أو استخدامه أداة للضغط السياسي.

لقد أدى الإفراط الأمريكي في استخدام العقوبات المالية وتجميد الأصول إلى خلق خوف عالمي من الاعتماد الكلي على الدولار.
وبهذا، أصبحت الصين—من خلال اليوان الرقمي (e-CNY) ومنصة المدفوعات الصينية (CIPS)—المرشح الأبرز لقيادة
نظام مالي موازٍ لا يخضع للهيمنة الغربية ومصمم لتفادي أدوات السيطرة المالية التقليدية.

أولًا: اليوان الرقمي (e-CNY) — ما هو وما ليس؟
اليوان الرقمي (e-CNY) هو الشكل الرقمي الرسمي للعملة الصينية، يصدر مباشرة عن بنك الشعب الصيني (PBoC).
بعكس المفاهيم الشائعة، لا يعتمد اليوان الرقمي على بلوكتشين لامركزي ولا على التعدين ولا على نظام العملات المشفرة.

خصائص اليوان الرقمي:
• عملة رقمية سيادية بالكامل
• غير مدعومة بالذهب أو أي معدن ثمين
• قيمتها مساوية 1:1 لليوان الورقي
• تعمل من خلال دفتر سجلات موزعة مركزية (DLT) تحت إدارة الحكومة الصينية
• توفر قدرة واسعة على الرقابة الحية وتتبع المدفوعات
• مصممة لزيادة سرعة المعاملات وتقليل الكلفة وتعزيز الأمان المالي

بهذا المعنى، فاليوان الرقمي ليس “عملة ذهبية” ولا “بلوكتشين حر”. بل هو أداة إستراتيجية
تسمح للصين ببناء نظام مالي مستقل ومتطور.

ثانيًا: ما هو CIPS؟ البديل الصيني لنظام SWIFT
CIPS اختصار لـ Cross-Border Interbank Payment System
أي: نظام المدفوعات العابرة للحدود بين البنوك.

تم إنشاء CIPS ليكون بديلًا صينيًا لنظام SWIFT الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة وأوروبا،
لكن مع فارق جوهري: SWIFT ينقل الرسائل فقط، بينما CIPS ينفّذ التسوية المالية أيضًا.

ميزات CIPS:
• شبكة تضم أكثر من 1,400 بنك في 110 دول
• إمكانية تنفيذ المدفوعات مباشرة باليوان
• نظام قادر على تجاوز البنية التحتية الغربية
• اعتماد واسع من الدول تحت العقوبات مثل روسيا

بمعنى آخر، CIPS هو أول منظومة دفع دولية كبيرة لا تستطيع الولايات المتحدة مراقبتها أو تعطيلها.

ثالثًا: ماذا يعني دمج CIPS + e-CNY؟
دمج اليوان الرقمي (e-CNY) مع منصة CIPS هو الحدث المالي الأكثر أهمية في القرن الحادي والعشرين.
فالصين لم تطور عملة رقمية فقط، ولا نظام مدفوعات فقط، بل دمجت الاثنين لخلق **بنية مالية جديدة كاملة**
تعمل خارج النظام الغربي.

ماذا يعني ذلك عمليًا؟
1) القدرة على إرسال واستقبال مدفوعات دولية فورية باليوان الرقمي
2) عدم الحاجة لاستخدام الدولار كعملة وسيطة
3) عدم مرور المعاملات عبر نيويورك أو أوروبا
4) عدم قدرة الولايات المتحدة على تجميد أو تتبّع الأموال
5) تكلفة شبه صفرية للمدفوعات التجارية
6) إمكانية تسوية صفقات النفط والغاز والسلع مباشرة

هذا الدمج يقوّض فعليًا “السلاح المالي الأمريكي” الذي كان يعتمد على السيطرة على النظام المالي العالمي.

رابعًا: أمثلة متعددة لفهم التحول
1) **مثال خليجي–صيني**
دولة خليجية تبيع النفط للصين.
تقوم الصين بإرسال قيمة الشحنة باليوان الرقمي عبر CIPS خلال ثوانٍ.
لا يمر التحويل بالدولار، ولا تستطيع واشنطن رؤيته أو التدخل فيه.

2) **مثال روسي**
بعد تجميد الغرب 300 مليار دولار من أصول روسيا، تحولت موسكو لاستخدام اليوان
وCIPS لتسوية 85٪ من تجارتها مع الصين وآسيا.

3) **مثال آسيوي**
ماليزيا وإندونيسيا والفلبين بدأت باستخدام أنظمة دفع بديلة لتقليل مخاطر الاعتماد
على الدولار وتجنب تبعات العقوبات الأمريكية.

هذه الأمثلة توضّح أن التحول ليس نظريًا، بل واقعًا تطبقه دول كبرى بالفعل.

خامسًا: لماذا يتراجع احتكار الدولار؟
الضغط على الدولار لا يأتي من قيمته الاقتصادية، بل من فقدان الثقة السياسية به.

أهم أسباب التراجع:
1. الإفراط في استخدام العقوبات
2. تجميد الأصول السيادية لدول كبرى
3. التطور السريع للعملات الرقمية السيادية
4. صعود آسيا كقوة تجارية ومالية
5. رغبة الدول في التحرر من احتكار واشنطن للشبكات المالية

سيبقى الدولار عملة قوية عالميًا، لكنه فقد إلى الأبد احتكار السيطرة الكاملة.

سادسًا: انعكاسات التحول على الدول العربية
تواجه الدول العربية—وخاصة دول الخليج—مزيجًا معقدًا من الفرص والمخاطر نتيجة هذا التحول.

أبرز الانعكاسات:
1. إمكانية تسعير جزء من صادرات النفط باليوان الرقمي
2. تنويع مصادر الاحتياطيات النقدية بعيدًا عن الدولار
3. تعزيز الربط التجاري مع الصين—أكبر شريك تجاري للعرب
4. تخفيض تكلفة المدفوعات والتحويلات
5. تخفيف التأثر بالعقوبات والضغوط السياسية الغربية

لن تتخلى الدول العربية عن الدولار، لكنها ستتجه نحو **نظام مالي مزدوج** يسمح بالاستفادة
من النظامين الغربي والشرقي.

سابعًا: الانعكاسات على الأردن
الأردن يعتمد على الصين كمصدر رئيسي للسلع والتجهيزات. ولذلك، قد يوفر CIPS واليوان الرقمي فوائد عديدة:

1. تخفيض كلفة التحويلات والمدفوعات التجارية
2. تعزيز التجارة المباشرة مع الصين دون وسيط
3. دعم القطاعات اللوجستية والتكنولوجية عبر الاستثمار الصيني
4. تقليل الضغط على احتياطيات العملات الأجنبية
5. فتح إمكانية الاندماج في شبكات الدفع الرقمية العالمية

لكن هذا يتطلب:
• تحديث البنية التحتية للقطاع المالي الأردني
• دراسة الانضمام إلى منصات الدفع الإقليمية
• رفع جاهزية البنوك للتعامل مع العملات الرقمية السيادية
• صياغة استراتيجية وطنية للمدفوعات الرقمية

الأردن قادر على الاستفادة من التحول إذا بدأ مبكرًا، لا متأخرًا.

خلاصة عامة
يدخل العالم مرحلة نقدية متعددة الأقطاب، تقودها التكنولوجيا والتحولات الجيوسياسية وتقلّص الثقة
بالهيمنة المالية الأمريكية.

دمج CIPS + e-CNY هو الحدث المالي الأكبر منذ 80 عامًا، وقد يشكّل بداية نظام مالي عالمي
جديد "شرق-مركزي" أكثر منه "غرب-مركزي".

الدول العربية—والأردن على وجه الخصوص—أمام فرصة تاريخية لإعادة التموضع داخل نظام مالي جديد
قد يحدد شكل التجارة والاستثمار خلال العقود القادمة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :